التصريح الصحفي المتعلق بتقديم التقرير السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2022.

03/08/2023 14:11

عام

مستجدات الجمعية

التصريح الصحفي المتعلق بتقديم التقرير السنوي

حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2022.

 

السيدات والسادة ممثلات وممثلو الصحافة الرقمية والورقية، السمعية والبصرية؛

السيدات والسادة ممثلو المنظمات الحاضرة معنا؛

الحضور الكريم.

يسعدنا أن نرحب بكن/م جميعا، باسم المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في أكناف هذه الندوة الصحفية، التي درجنا كل سنة على تنظيمها بمقرنا المركزي لتقديم تقريرنا السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب؛ وهو التقرير الذي كنا ولا زلنا نأمل من خلال تقديمه، ليس بث الخيبة والإحباط في النفوس، والقدح والذم في حق أية جهة كيفما كانت، وإنما، وهذه هي الغاية والمبتغى من كل عمل حقوقي جاد ومسؤول، تنبيه القائمين على الشأن العام إلى خطل المنحى الذي يقودون البلاد والعباد صوبه، غير آبهين بما تولّده سياساتهم العمومية والأمنية من انتهاكات، وما تفرزه من خروقات؛ علّهم يتحركون ويغادرون خطاباتهم المتعالية، ويشمّرون على ساعد الفعل الحامي والمحصّن للحقوق والحريات، بدل ابتداع خصوم وأعداء وهميين، للاستعاضة بالطعن فيهم عما يتطلبه الوضع الحقوقي من إصلاح وإعادة البناء على أسس صلبة وقويمة.

وكما جرى به العمل في تقارير سابقة، فإن التقرير الحالي الخاص ب"حالة حقوق الإنسان سنة 2022" يشتمل على ثلاثة محاور أساسية، تتفرع بدورها إلى محاور موضوعاتية؛ وذلك على النحو التالي:

1)     المحور الأول: الحقوق المدنية والسياسية:

يتكون هذا المحور من المحاور الموضوعاتية التالية:

-     الحق في الحياة وعقوبة الإعدام؛

-     الاعتقال السياسي؛

-     الحريات العامة؛

-     حرية المعتقد والحريات الفردية؛

-     حرية الإعلام والصحافة والأنترنيت؛

-     الحق في المحاكمة العادلة؛

-     وضعية السجون.

2)     المحور الثاني: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

-     الحق في العمل والحقوق الشغلية؛

-     الحق في السكن؛

-     الحق في الصحة؛

-     الحق في التعليم؛

-     الحقوق اللغوية والثقافية؛

-     الحق في الحماية الاجتماعية.

3)     المحور الثالث:

-     حقوق المرأة؛

-     حقوق الطفل؛

-     حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛

-     حقوق المهاجرين/ات وطالبي/ات اللجوء؛

-     الحق في البيئة السليمة والتنمية المستدامة.

السيدات والسادة؛

لقد ظل المشهد الحقوقي بشكل عام ببلادنا خلال سنة 2022، التي هي موضوع هذا التقرير، على حاله دون أن يطاله أي تغيير أو تطور إيجابي حقيقي يذكر، تجلّله الانتهاكات المتواترة والاعتداءات المتوالية على مختلف الحقوق والحريات. وللتغطية على هذا الوضع برز لدى الدولة توجه نحو تنصيب بعض المؤسسات ناطقة باسم الحكومة في مجال حقوق الإنسان؛ كما هو الحال بالنسبة للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والمندوبية العامة لإدارة السجون، اللتين انبريتا، بشكل ملحوظ ومكشوف، للرد على أي تقرير وطني أو دولي حول الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان ببلادنا ببلاغات تجتر نفس الخطاب المغلوط وتكيل للحركة الحقوقية المستقلة الوطنية والدولية الاتهامات المجانية وغير المسؤولة. ويبدو من خلال ذلك، أن الدولة تسعى إلى جعل خطابها واحدا ووحيدا لا يقبل النقد، ويحاول محو أي خطاب يناقضه. وهو ما يؤكد أن الوضعية السيئة لحقوق الإنسان ببلادنا ليست مرتبطة بظرفية ما عابرة، بل هي ناتجة عن خيار سياسي مرتكز إلى تضخم الهاجس الأمني والسلطوية، يحاول نفي الدور الحمائي للمؤسسات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، التي لم يعد صدر الدولة يتسع لها ولعملها...

وإذا كان جزء من الخروقات التي جرى رصدها خلال السنتين الماضيتين 2020 و2021، يمكن أن ينسب إلى حالة الطوارئ الصحية واعتماد المعالجة الأمنية كأسلوب لتدبيرها؛ فإن الخروقات المسجلة خلال سنة 2022 لا يمكن تفسيرها وربطها سوى بخيار الدولة الهجوم السافر والمتواصل، منذ على الأقل سنة 2014، على ممارسة الحريات العامة الضرورية والمميزة لكل مجتمع ديمقراطي، وسعيها الذي لا يفتر نحو الإجهاز المبرم على مجمل ما راكمته بلادنا، بفضل نضالات وتضحيات شعبية غالية ومكلفة، من مكتسبات في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ وذلك لفائدة ليبرالية متوحشة هجينة متراكبة مع اقتصاد الريع، ومتداخلة مع الفساد والنهب المنفلت من كل رقابة للثروات والخيرات الوطنية.

لذا، فإن الوضع الحقوقي ما انفك يطالعنا، سنة بعد سنة، بمشاهد قلما تخلو من المتابعات والاعتقالات والمحاكمات المنصوبة لقص الألسن الناقدة والمنددة بالسلطوية وأذرعها الأمنية، وتحجيم أي نزوع احتجاجي يروم المطالبة بالكرامة والحرية والحق في العيش الكريم، أو وقف نزيف التراجعات التي باتت تقوّض مجمل المكتسبات الاجتماعية، وتسلّع الخدمات العمومية الأساسية وتخوصصها. كل هذا على خلفية سمتها العامة الاستهداف الممنهج والصارخ لحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والتدوين، وتشديد الخناق على الحق في التنظيم والتجمع والتظاهر السلميين، وإغلاق الفضاءات العمومية أمام الهيئات المدنية والديمقراطية، وإطلاق العنان للسلطات لخرق سيادة القانون بشكل فاضح ومعلن، في إفلات تام من المساءلة والعقاب.

المحور الأول: الحقوق المدنية والسياسية:

وقف التقرير السنوي للجمعية على مجموعة من الخروقات التي مست الحقوق المدنية والسياسية برسم سنة 2022؛ حيث لا زال الحق في الحياة ينتهك لأسباب شتى وفي مواقع متعددة. ذلك أن عددا كبيرا من المواطنين والمواطنات يفقدون أرواحهم، سواء جراء الإهمال وغياب الرعاية الطبية اللازمة في المستشفيات، أو بسبب عدم التقيد بقواعد ومعايير السلامة في الأوراش والمعامل، أو بسبب انعدام المساءلة وسيادة الإفلات من العقاب للمسؤولين عن إنفاذ القوانين في المخافر والسجون، أو غرقا في البحار بحثا عن الحرية وظروف العيش الكريم، أو في السدود والوديان والشواطئ بسبب غياب فضاءات آمنة للاستجمام، أو منتحرين بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، أو بسبب سم العقارب والأفاعي وعضات الكلاب المسعورة أو الضالة...

الحق في الحياة: رغم صعوبة الوصول إلى كافة البيانات المتعلقة بحالات الوفيات بالمغرب، فقد رصدنا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نماذج كلها تضع السياسات العمومية للدولة المغربية موضع مساءلة.

عقوبة الإعدام: رغم أن المغرب ملتزم في إطار توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة بالتصديق على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، الذي تقول مادته الأولى: "لا يعدم أي شخص خاضع للولاية القضائية لدولة طرف في البروتوكول المعني، وتتخذ كل دولة طرف جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام داخل نطاق ولايتها القضائية"؛ وخلافا لما ينص عليه الدستور في الباب الثاني المعنون بالحريات والحقوق الأساسية، وتحديدا في الفصل 20 الذي يقول: "الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان، ويحمي القانون هذا الحق"؛ إلا أن الدولة لازالت لم تصادق على البروتوكول المشار إليه، ولا زالت تمتنع عن التصويت لصالح وقف تنفيذ عقوبة الإعدام رغم أن المغرب أوقف عمليا تنفيذ هذه العقوبة منذ ثلاثة عقود (1993)، ولا زالت المحاكم المغربية تصدر أحكاما بالإعدام،. وبخصوص سنة 2022، فقد كشف تقرير قدمته المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، يوم 30 شتنبر 2022 أثناء مناقشة مشروع ميزانيتها بمجلس النواب عن وجود 85 محكوما بالإعدام بالسجون المغربية بنسبة 0.09 في المائة من مجموع ساكنة السجون البالغ عددها وقتها 96872 شخصا. ومن جهتنا، في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فقد سجلنا صدور حكمين خلال سنة 2022 بكل من الحسيمة وأسفي، وتثبيت حكم ثالث بطنجة.

الوفيات في السجون والمستشفيات وأماكن العمل وغيرها: يعرض هذا التقرير 18 حالة وفاة في مراكز الشرطة والدرك والسلطات وفي السجون أو بسبب الإحساس بالغبن (الحكرة) أو تدخل القوات العمومية؛ و 13 حالة وفاة في المستشفيات والمراكز الصحية جراء الإهمال الطبي أو الأخطاء الطبية أو ضعف البنية الاستشفائية؛ و 90 حالة وفاة في أماكن العمل بسبب حوادث الشغل الناتجة عن غياب شروط السلامة بأماكن العمل والأوراش أو أثناء التنقل للعمل؛ و 16 حالة بسبب لسعات العقارب ولدغات الحيات وعضات الكلاب والسعار؛ و49 وفاة بسبب الاختناق الناتج عن تسرب الغاز أو بسبب الحرائق، و31 حالة وفاة بسبب التسمم الغذائي والكحول الفاسدة.

أما حوادث السير بالمغرب، وحسب الإحصاءات لرسمية، فلقد تسببت خلال سنة 2022 في وفاة حوالي 3200 وفاة بمعدل تسع وفيات في اليوم.

فيما يرتبط بالوفيات الناتجة عن الانتحار: ورغم عدم توفر معطيات رسمية متاحة، وحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، فإن عدد الانتحارات بالمغرب يتعدى ألف حالة سنويا بمعدل يفوق ثلاث حالات في اليوم. ويتفق المهتمون بالظاهرة على أن جهة طنجة تطوان الحسيمة تعرف أعلى حالات الوفيات بسبب الانتحار. أما بخصوص الأسباب، فيُرجع المختصون الأمر لحالة نفسية متدهورة بالأساس، مرتبطة بعوامل يتداخل فيها الصحي والاجتماعي بالاقتصادي. وهو ما يتطلب من الدولة إعادة النظر في منظومة الصحة النفسية استجابة لتوصيات منظمة الصحة العالمية التي تقول فيها "لا فرق بين الصحة الجسدية والصحة النفسية وأن ما هو نفسي يؤدي إلى مضاعفات جسدية والعكس صحيح". أما الحالات التي تمكنت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من تتبعها خلال سنة 2022، خاصة عبر ما ينشر في الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية، والتي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جدا من مجموع الحالات، فقد بلغ عددها 140 حالة موزعة على الجهات الإدارية كما يلي: جهة طنجة تطوان الحسيمة 67 حالة بنسبة 48%، بني ملال خنيفرة 14 حالة بنسبة 10%، الدار البيضاء سطات 7 حالات بنسبة 5 %، سوس ماسة 18 حالة بنسبة 13 %، مراكش آسفي 12 حالة بنسبة 9 %، فاس مكناس 9 حالات بنسبة 6%، الشرق 7 حالات بنسبة 5%، الرباط القنيطرة 2 حالات بنسبة 1.4%، كلميم واد نون 2 حالات بنسبة 1.4%، العيون الساقية الحمراء 1 حالة بنسبة 0.7%، الداخلة وادي الذهب 1 حالة 0.7%.

الاعتقال السياسي: يوجد بالسجون المغربية العديد من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، الذين علمت وتابعت الجمعية حالات الكثيرين منهم. وهم معتقلو حراك الريف وعددهم 9 (ثلاثة منهم محكومون بعشرين سنة، واثنان بحمسة عشر سنة، وواحد بعشر سنوات، وواحد بست سنوات)؛ والمعتقلون الصحراويون في ملف مخيم "كديم ازيك" وعددهم 20 (ثمانية منهم محكومون بالمؤبد وأربعة بثلاثين سنة وخمسة بخمس وعشرين سنة واثنان بعشرين سنة وواحد بخمسة عشر سنة)؛ ومن تبقى ممن يطلق عليهم "معتقلو السلفية الجهادية"، الذين ما فتئت الجمعية تعتبر أن الكثير منهم اعتقل على خلفية آرائه وقناعاته الدينية، وتعرض لانتهاكات بليغة تمثلت في الاختطاف والتعذيب والمحاكمات غير العادلة، وعددهم 6 من مجموعة بلعيرج (منهم واحد محكوم بالمؤبد وحمسة بثلاثين سنة)؛ ثم الحالات الحديثة من الذين اعتقلوا على خلفيات تدوينات أو منشورات أو فيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو تحقيقات صحفية، أو بسبب مشاركتهم في احتجاجات سلمية خلال السنتين المضيتين، وعددهم حوالي 140 معتقلا/ة، تتراوح الأحكام في قضاياهم ما بين ست سنوات وثلاث سنوات وسنتين وسنة وبضعة أشهر أو البراءة بالنسبة لخمسة منهم؛ إضافة إلى العشرات من الاستدعاءات والتوقيفات والمتابعات القضائية التي بقيت مفتوحة كسيف مسلط على رقاب المواطنين المعنيين بها. ليصل العدد الإجمالي للمعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي 175 معتقلا/ة خلال سنة 2022.

أما بخصوص ملف التعذيب، فإنه لازال يثير الجدل، بين الدولة ومؤسساتها من جهة والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية المستقلة وذات المصداقية لدى الرأي العام الوطني والدولي من جهة أخرى، حول استمرار ممارسة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة أو الحاطة من الكرامة، ذلك أن الدولة ممثلة في المندوبية العامة لإدارة السجون والإدارة العامة للأمن وغيرها من المؤسسات المعنية أصبحت مختصة في الإسراع بإصدار بلاغات تكذّب فيها أي ادعاء بالتعذيب قبل حتى أن يكون هناك بحث جدي. إلا أن الجواب الصريح موجود في الوقائع والأحداث التي تتتبعها الجمعية، إما من خلال الشكايات التي توصلت بها، أو من خلال متابعتها التلقائية لما تنشره وسائل الإعلام المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ والتي تكشف صحة أو عدم صحة الخطاب الرسمي حول احترام التزامات المغرب الدولية المنصوص عليها في الاتفاقية، وصحة أو عدم صحة ما تترافع به الحركة الحقوقية الوطنية والدولية بهذا الصدد. ويتضمن التقرير، من بين ما يتضمنه، حالات صارخة لكل من المواطن المغربي ياسين الشبلي الذي كان ضحية التعذيب المفضي للموت بمخفر الشرطة بمدينة بنجرير، والمواطن السعودي حسن محمد آل ربيع الذي سلمته السلطات المغربية للسعودية رغم مطالب الحركة الحقوقية بعدم تسليمه للسلطات السعودية التي أعدمت وعذبت أفرادا من عائلته بسبب نشاطهم وآرائهم السياسية، ثم حالة المحامي محمد زيان الذي عرضه مجموعة من أفراد الأمن لمعاملة مهينة وحاطة من الكرامة أثناء اعتقاله من مقر عمله بالرباط. إضافة إلى ما يزيد عن 25 احتجاجا سلميا تم فضه باستعمال القوة المفرطة والقمع والاعتداء الجسدي واللفظي والتحرش الجنسي للعديد من النشيطات والنشطاء والمواطنين والمواطنات المحتجين سلميا.

وفيما يتعلق بالحق في حرية تأسيس الجمعيات، سجلت الجمعية إمعان المسؤولين بوزارة الداخلية في خرق سيادة القانون وممارسة الشطط في استعمال السلطة، عبر رفضهم تسلم ملفات تأسيس أو تجديد الجمعيات وما أكثرها؛ سواء بشكل مباشر، أو عبر البريد المضمون أو بواسطة مفوض قضائي؛ وامتناعهم عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدهم في هذا الشأن في تحقير كامل لها، مع ضرب قاعدة المساواة أمام القانون باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة ومن الواجب امتثال الجميع له. ويكفي أن نشير هنا إلى ما طال فروع الجمعية من تعسف قل نظيره؛ حيث أن عدد فروع الجمعية التي ترفض السلطات تسلم ملفات التصريح بتجديد مكاتبها 77 فرعا من أصل 88 فرعا داخل المغرب؛ الأمر الذي اضطر الجمعية إلى اللجوء للقضاء الإداري، الذي أصدر لحد الآن ما يقارب 30 حكما يدين قرار السلطات برفض تسلم ملف التصريح ويلغيه.

أما الحق في التجمع والاحتجاج السلمي فقد وقفت الجمعية، خلال سنة 2022، على العديد من حالات منع وحظر المظاهرات والتجمعات والوقفات السلمية. وفي معظم الأحيان عادة ما يكون فض الأشكال الاحتجاجية السلمية مرفوقا بالعنف والقمع واستعمال القوة المفرطة في خرق سافر لمبدأي الضرورة والتناسب؛ كما يحدث أن تصاحبه الكثير من التوقيفات التحكمية والاعتقالات التعسفية، التي تتحول في بعض المرات إلى متابعات ومحاكمات قضائية، وتسفر عن إدانات وأحكام بالحبس الموقوف التنفيذ أو النافذ مع الغرامات.

أما فيما يهم حرية المعتقد والحريات الفردية، فإن تصديق الدولة المغربية على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنصيص الدستور على سمو الاتفاقيات والعهود الدولية على القوانين الداخلية للبلاد، يبقى دون أي أثر إيجابي على ضمان وحماية حرية المعتقد وباقي الحريات الفردية، بسبب اشتراط الدستور "المطابقة لأحكام الدستور ولقوانين المملكة وللهوية الوطنية الراسخة "، وبسبب السياسة التشريعية للدولة المغربية بمرجعيتها الثقافية المنافية لحقوق الإنسان وما لها من تأثير على العلاقات الأسرية والمناهج التربوية والعلاقات الاجتماعية في الفضاء الخاص والعام .وبسبب القانون الجنائي الذي يجرم كل من أقدم على ممارسة هذه الحريات من خلال عدد من فصوله. كما أن اعتماد مادة التربية الإسلامية، القائمة على مرجعية المذهب السني المالكي، ضمن الوحدات الدراسية، تشكل إقصاء ونبذا للاختيارات العقائدية لجزء من المغاربة وأبنائهم؛ فضلا عن أبناء المهاجرين من جنوب الصحراء غير المسلمين المندمجين في التعليم العمومي. ونفس الشيء بالنسبة للبرامج الإعلامية والانتاجات الفنية التي تروجها القنوات الإعلامية الرسمية والخاصة، والتي تكرس بدورها أحادية الدين والمذهب، فكل المغاربة بالنسبة لها مسلمون سنيون. وهذا ما يجعل المناخ العام السائد معاديا لحرية المعتقد وباقي الحريات الفردية، ويفرز خطابا إعلاميا موسوما بالكراهية والتكفير ويشجع ظاهرة "سلطة الشارع" ضد المختلفين عقائديا وجنسانيا. وفي هذا الإطار تسجل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنويا العديد من الانتهاكات التي تطال هذا الجزء من الحريات منها:

-     حرمان المغاربة الشيعة، كما المسيحيين، من ممارسة طقوسهم الدينية بشكل علني، والتضييق عليهم؛

-     اعتقال عشرات من الشباب داخل مقهى في مدينة الدار البيضاء بتهمة "الإفطار العلني في رمضان"؛

-     الاعتداء الهمجي على رجل يرتدي ملابس نسائية بمدينة طنجة في منتصف شهر دجنبر 2022؛

-     منع عرض كتاب "مذكرات مثلية" للكاتبة المغربية فاطمة الزهراء أذكار، بتهمة الدفاع عن "الشذوذ" والانحرافات"؛ من طرف إدارة معرض الكتاب، المقام بالرباط عام 2022؛

-      مداهمة عناصر الدرك الملكي بالنواصر لأحد المنازل واعتقال 100 شخص من الجنسين بتهمة "المثلية"؛

-     إدانة المحكمة الابتدائية بالحسيمة مواطنا بتهمة الإفطار في رمضان، بشهرين موقوفي التنفيذ وغرامة مالية قدرها 500 درهم؛

-     اعتقال طالبة مغربية بتهمة "المس بالمعتقدات الدينية للشعب المغربي" بسبب تدوينة لها، والحكم عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات نافذة وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهما.

فيما يخص حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك على الأنترنيت، واصلت السلطات المغربية اعتقال ومحاكمة والحكم بالسجن وبغرامات مالية ثقيلة على الصحفيين/ات والمدونين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان أو غيرهم من المواطنين الذين عبروا بشكل سلمي عن آراء انتقادية من خلال المنشورات ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي فايسبوك ويوتوب وغيرها...

ولم يسلم بدوره الحق في المحاكمة العادلة، بوصفه حقا لا غنى عنه لحماية كافة الحقوق والحريات الأساسية، من انتهاكات وخروقات عديدة، سواء أكانت المحاكمة حضورية أو عن بعد. فاستمرار العمل بتقنية المحاكمة عن بعد في المادة الجنائية، سنة 2022، حرمت مئات المعتقلين، بالنظر إلى كثرة القضايا التي تمت معالجتها في هذا الإطار، من الانتصاف والولوج المستنير والعادل للمحاكمة، والاستفادة من كل الضمانات والشروط التي يتعين توفرها في المحاكمة العادلة؛ من حضورية وعلنية، وتوازن ومساواة في الأسلحة والإمكانيات، والحق في الدفاع، خصوصا أمام ضعف الوسائل والإمكانات اللوجستيكية والتكوين. كما أن محاكمة نشطاء الرأي والتعبير والاحتجاج؛ من حقوقيين، وصحافيين ومدونين، ومستعملي وسائل التواصل الاجتماعي، وأساتذة ممن فرض عليهم التعاقد، أبان عن مواصلة الدولة تسخير القضاء لمعاقبة وقمع كل صوت ناقد أو تعبير محتج؛ عبر مباركة مختلف الخروقات والتجاوزات التي تصاحب التوقيفات والاعتقالات، وتشوب التحقيقات والتحريات، وتطال وسائل الاثبات والقرائن من خلال إضفاء القدسية على محاضر الضابطة القضائية، وتمس مسا بليغا بقرينة البراءة وتبطل كافة الدفوع والطعون التي يتقدم بها الدفاع بضمها للجوهر، رغم دورها الحاسم في مدى شرعية وسلامة قيام الدعوى أو عدم قيامها.

وقد عرج التقرير، بعد تطرقه بإسهاب إلى بعض النماذج الدالة على انتهاكات الحق في المحاكمة العادلة المسجلة أمام القضاء الجنائي، ليتحدث عن القضاء الإداري، انطلاقا من الدعاوى التي رفعتها فروع الجمعية، وعجزه على كبح جماح شطط السلطات المحلية ومخالفتها لقانون الجمعيات، وعدم قدرته على بسط رقابته عليها من خلال أحكام منصفة صادرة في آجال معقولة وقابلة للتنفيذ، تعيد للمتقاضين الثقة في القضاء، وفي نجاعته واستقلاليته.

وفيما يخص وضعية السجون، أورد التقرير أن الساكنة السجنية عرفت سنة 2022 عند نهايتها (97204) زيادة مقارنة مع سنة 2021 (88941)، بما مجموعه 8263 سجينا وسجينة، بينما لم تشيد أية مؤسسة سجنية جديدة عكس السنة التي قبلها. وشهد عدد المحكومين (57496) والاحتياطيين (39708) أيضا ارتفاعا بلغ على التوالي بالنسبة للفئة الأولى 6081 سجينا وسجينة، و2182 بالنسبة للفئة الثانية؛ وهو ما يؤكد مرة أخرى الغلو المبالغ فيه في اللجوء المنهجي إلى الاعتقال الاحتياطي، إذ بلغت نسبة الاحتياطيين ما يقارب 41% من مجموع السجناء، ونسبة 69.02% قياسا مع عدد المحكومين، مع ما يعنيه هذا من تجنّ على حريات المواطنين والمواطنات وهدر للموارد والنفقات. أما عدد المحكومين بالإعدام فقد عرف بدوره ارتفاعا سنة 2022 (82 مقارنة مع 2021 حيث كان العدد 79 محكوما بالإعدام).

ولهذا، فإنه رغم إطلاق مسلسل بناء سجون جديدة وترميم أخرى فإن ظاهرة الاكتظاظ ما انفكت تعرف استفحالا سنة بعد أخرى، مما ينعكس انعكاسا خطيرا على كل مجالات الحياة داخل المؤسسة السجنية (النوم، الفسحة، الزيارة، الاستحمام، برامج التكوين والتأهيل ...)، ويشكل عاملا رئيسيا تتولد عنه مظاهر العنف والاعتداء على الذات والآخرين، وعائقا كبيرا أمام المهام التأطيرية الموكولة للموظفين والموظفات.

ومن جهتها تبرز المعطيات المقدمة من طرف المندوبية العامة للسجون، بخصوص الرعاية والعناية الصحية للساكنة السجنية، أوجه الخصاص التالية:

-   عدم توفر البنيات التحتية الكافية، نظرا لأن مجموعة من السجون لا تتوفر حتى على مصحات؛

-   نقص في عدد الأطباء ولا سيما المتخصصون؛

-   نقص في أطر التمريض المؤهلة لتقديم العلاجات والإسعافات الضرورية؛

-   صعوبة الولوج إلى الخدمات الطبية دون تمييز؛

-   ضعف انخراط وزارة الصحة في توفير الخدمات الصحية لفئة السجناء والسجينات.

وبالرجوع إلى الاحصائيات فإن عدد الوفيات في المؤسسات السجنية بلغ ما مجموعه 186 حالة برسم سنة 2022 ضمنهم ثلاثة إناث.

المحور الثاني: أما في يهم مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ فقد تميزت سنة 2022 بتدهور جديد في واقع الحقوق الشغلية تمثل على الخصوص في فقدان 24.000 منصب شغل على الصعيد الوطني وتوسع البطالة وسط الشباب (15 - 24 سنة) من 31.8% سنة 2021 إلى 32.7% سنة 2022 والنساء من 16.8% إلى 17.2% من جهة، ومن جهة ثانية استمرار زهاء مليون شخص في حالة شغل ناقص، وخصوصا في الفلاحة (10.4%) والبناء والأشغال العمومية (16.4%).

على المستوى التشريعي نسجل تماطل الدولة المغربية في المصادقة على ثلثي اتفاقيات الشغل الصادرة عن منظمة العمل الدولية، من بينها الاتفاقيات رقم 87 الخاصة بحق التنظيم النقابي و155 الخاصة بالصحة والسلامة في العمل و95 الخاصة بحماية الأجر... كما نشير إلى استمرار العمل بالعديد من القوانين المناقضة لمعايير الشغل الدولية، من بينها الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يجرم حق الإضراب والفصل 8 من الدستور الذي يضيّق مجال الحق النقابي والفصل 111 من نفس الدستور الذي يمنع القضاة من الانتماء النقابي، والفصل 5 من مرسوم 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين للحق النقابي، ثم مقتضيات ظهير 13 شتنبر1938 حول تسخير العمال، والمقتضيات التي تمس حق بعض الفئات في الانتماء النقابي (القضاة، موظفو الأمن والجمارك والسجون والمياه والغابات، المتصرفون بالجماعات المحلية والداخلية...)...

على صعيد الممارسة اليومية سجل التقرير تنامي انتهاكات الحقوق الشغلية في أماكن العمل؛ حيث تكاد تغيب الشروط القانونية للشغل في أغلب مقاولات القطاع الخاص، سواء المتعلقة منها بالأجور ومدة العمل والضمان الاجتماعي، أو تلك المرتبطة بالنقل، لا سيما إلى الضيعات الفلاحية، وبشروط الصحة والسلامة التي أبانت أزمة كوفيد 19 عن غيابها شبه الكلي في المؤسسات والوحدات الانتاجية. أما العمل النقابي فهو ممنوع عمليا في العديد من التجمعات الصناعية والفلاحية والخدماتية، حيث ما عادت نسبة التنقيب في القطاع الخاص تتجاوز 3%، كنتيجة لعقود من القمع والتضييق المسلط على الحركة النقابية والمناضلين النقابيين.

وعلى غرار السنوات الماضية تعرض الحق في السكن اللائق للكثير من الانتهاكات ببلادنا، التي لم تتوفق، حتى الآن، في اجتثاث كل مظاهر السكن العشوائي ودور الصفيح، ولم تنجح في معالجة آفة المنازل الآيلة للسقوط وصيانة وترميم النسيج العتيق للمساكن بأغلب المدن؛ فيما يجري التستر على ظاهرة التشرد وأعداد المشردين الذين هم دون مأوى معروف أو مُقام معلوم. ففيما سعت الدولة من خلال مجموعة من البرامج إلى محاربة السكن غير اللائق، وسخرت لذلك موارد مالية وعقارية مهمة، فإن مقارباتها في هذا الباب اعتمدت، في معظم الأحيان، على استخدام القوة والإخلاء القسري؛ كما أدت، في حالات عديدة، إلى ترحيل الساكنة من أماكنها الأصلية القريبة، وتوطينها بمناطق جديدة وبعيدة عن بيئتها ومحيطها الاقتصادي والاجتماعي.

وتوضح العديد من المعطيات والأرقام بهذا الخصوص ما يلي:

-     شهدت سنة 2022 تقهقرا بنسبة ناقص 10.61% في الوحدات الإجمالية المنتجة بالقياس إلى سنة 2021؛ فمقابل 278.788 وحدة سكنية جرى إنتاجها خلال هذه الأخيرة، لم يتجاوز المحدث منها سنة 2022 عدد 249.205 وحدة. ( "المؤشرات الرئيسية لقطاع العقار الخاصة بسنة 2022"، وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة – قطاع الإسكان وسياسة المدينة –)؛

-     التزام الحكومة بموجب مذكرة تقديم مشروع قانون المالية – 2022، بتخفيض العجز التراكمي الحاصل في السكن ليصل إلى 200.000 وحدة سنة 2021؛ غير أننا نجدها تقر في مشروع 2023 بأن هذا العجز بلغ أواخر السنة المذكورة 368.000 وحدة؛ مما يعني بأن المشكلة لا زالت تراوح مكانها ولن تجد حلا خلال المدى المنظور والقريب؛

-     اعتراف وثيقة "مشروع نجاعة الأداء"، التي أنجزتها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة - قطاع الإسكان وسياسة المدنية، في إطار مشروع قانون المالية 2023 أن الوزارة لا تمتلك خرائط جغرافية مدققة تبين كل المناطق السكنية المعنية بإعادة الهيكلة وأحياء الصفيح، كما تعوزها التحيينات الضرورية لعدد الأسر المعنية بهذه العملية؛

-         قامت الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط (ANRUR)، التي تم إنشاؤها بموجب القانون 94.12 (27 أبريل 2016)، سنة 2022 بجرد حوالي 32.900 بناية متداعية تستدعي الهدم. ويوجد 80 في المئة من الدور الآيلة للسقوط في المجال الحضري، كما أن 42 في المئة منها تقع داخل النسيج العقاري للمدن العتيقة.

ومن جانبه ما فتئ الحق في التعليم يعاني من شتى ضروب التمييز والفوارق، ومن خصاص مهول ومتراكم في بناء وتأهيل المؤسسات التعليمية والداخليات والمطاعم المدرسية وتجهيزها بالأثاث والعتاد، والوسائل التعليمية والديداكتيكية، خصوصا بالوسط القروي؛ كما يشكو من نقص مهول في تكوين وتوظيف أطر التدريس والتوجيه وأطر الدعم والأطر الإدارية.

وقد بلغت ميزانية قطاع التعليم المدرسي برسم سنة 2022 حوالي 62,451 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 6% مقارنة مع سنة 2021. غير أن توزيع هذه الميزانية يبين أن حوالي 90% منها، مخصصة لتغطية الأجور وتسيير المؤسسات والمرافق الإدارية، والباقي فقط موجه للاستثمار. مما يؤكد الانسحاب التدريجي للدولة المغربية وتنصلها من التزاماتها الدولية، مع الإمعان في خوصصة التعليم حيث تزايدت الضغوط المستمرة على الأسر المغربية، قصد المساهمة في تمويل التعليم، والزيادة في مصاريف التسجيل والتأمين، وشراء الكتب واللوازم المدرسية والتنقل.

وتفيد المعطيات الإحصائية الرسمية أن العدد الإجمالي للتلاميذ، بمختلف أسلاك التعليم المدرسي، بما في ذلك التعليم الأولي، بالقطاعين العمومي والخصوصي، وصل إلى 8.863.234 تلميذا وتلميذة برسم السنة الدراسية 2022-2023، تمثل الفتيات نسبة %48,7. أما في الوسط القروي فقد بلغ عدد المتمدرسين 3.527.462 تلميذة وتلميذا، أي بزيادة قدرها 2,1% مقارنة مع الموسم الذي قبله 2022-2023، تمثل الفتيات 48% من مجموع تلاميذ الوسط القروي.

وإذا كان لا بد من تسجيل إيجابية تحقيق هدف تعميم الوصول إلى التعليم الابتدائي فإن نسبة التمدرس تبقى متواضعة بسلكي التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي. فنسبة التمدرس الصافية بالثانوي الإعدادي بلغت 75,7%، برسم سنة 2021-2022، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 44,2% بسلك الثانوي التأهيلي (الفئة العمرية 15-17). وتدفع هذه المعطيات إلى القول بأنه ليس لجميع المغاربة نفس الفرص للوصول إلى التعليم، وأن نسبة مهمة من الأطفال ذكورا وإناثا، ما بين 6 و16 سنة، لم يلتحقوا بالمدرسة خلال سنة 2021-2022.

وسجلت النسبة الصافية للتمدرس بالتعليم الإعدادي بالوسط الحضري 88,4% بينما لم تتجاوز 58,5% بالوسط القروي برسم سنة 2021-2022. أما بالنسبة للتعليم الثانوي التأهيلي، فقد وصلت النسبة الصافية للتمدرس بالوسط الحضري 62,1% في حين لم تتجاوز 19,7% بالوسط القروي.

وبلغ عدد التلاميذ ذوي الإعاقة الذين يتابعون دراستهم بالمؤسسات التعليمية حوالي 93 ألف تلميذا وتلميذة من بينهم حوالي الثلث يتابعون دراستهم بالمؤسسات المصنفة دامجة التي وصل عددها حوالي 3000 مؤسسة من أصل 11909 مؤسسة تعليمية بمختلف الأسلاك، إضافة إلى 13.122 فرعية متواجدة بالعالم القروي. وثلث قاعات الموارد (1868) لا تتوفر على أساتذة مشرفين (1200) 12، ولم يسـتفد إلا 12 ألف تلميذا وتلميذة من الأشخاص ذوي الإعاقة مـن خدمات الدعم والتأهيل. وجل الخدمات توفرها جمعيات محلية معنية بالإعاقة، داخل المؤسسات التعليمية العمومية من خلال الدعم المالي لصندوق دعم الحماية والتماسك الاجتماعي.

سجلت نسبة الانقطاع عن الدراسة خلال نهاية السنة الدراسية 2021-2022، ارتفاعا مقارنة مع السنة الدراسية 2021-2020؛ حيث انتقل عدد الأطفال الذين غادروا المدرسة من 331.558 إلى 334.664 تلميذة وتلميذا، وتتركز أعلى نسب الانقطاع في سلك التعليم الثانوي الإعدادي بحوالي 55%.

أما نسبة الأمية فقد بلغت بالنسبة للفئة العمرية 15 سنة وأكثر 34,2%، وتزداد هذه النسبة حين يتعلق الأمر بالفتيات والنساء (43,9%)، وبالعالم القروي (50,2%). أما حين يتعلق الأمر بالفئة العمرية 50 سنة وأكثر فإن نسبة الأمية تصل إلى 60,3% 74,4%) بالنسبة للنساء). وتنتشر الأمية بالأساس في صفوف الأوساط المحرومة والفقيرة، لاسيما النساء بالوسط القروي.

وبخصوص الحق في الصحة؛ فمع ازدياد تدهور الوضعية بقطاع الصحة حسب جهات المغرب خلال سنة 2022، ما زالت الجمعية تؤكد على ضرورة مضاعفة الجهود لمواجهة هزالة الغلاف المادي المخصص للقطاع الصحي، وضعف معدلات الطاقة الاستيعابية السريرية بالمستشفيات، والتي لا تتعدى 1.1 سرير لكل ألف شخص، وبنسبة تقل عما هي عليه في البلدان ذات الدخل المماثل بالمنطقة، هذا علاوة على الفساد المتفشي في المستشفيات العمومية. ذلك أن الميزانية العامة لقطاع الصحة لا تغطي سوى 41 في المائة من المصاريف الإجمالية في مجال الصحة، وأن 5 ملايين فقط من المغاربة هم المستفيدون من التغطية الصحية. وبينما يجهل مصير باقي المواطنين، الذين كانوا يعانون مع بطاقة راميد، إثر إلحاقهم بشكل إلكتروني بصندوق الضمان الاجتماعي للاستفادة من التغطية الصحية بدعم حكومي، فإن حوالي 13% من المغاربة يعانون من الفقر الصحي.

ومما لا ريب فيه أن “قطاع الصحة يعرف تراكم النواقص منذ سنوات، نتيجة غياب رؤية إصلاحية تمكّن من الارتقاء بالمنظومة الصحية”، وبسبب إكراهات “النقص الحاد في الأطر الطبية وتفضيل البعض منها الهجرة لأسباب ترتبط أساسا بضعف التحفيزات وتدني شروط الممارسة المهنية، والتفاوتات المجالية، وضعف حكامة القطاع حسب تقارير دولية ورسمية وطنية”، وهذا ما يفسر التدني الواضح لظروف العمل داخل المرافق الصحية، من مراكز صحية ومستشفيات، والمرتبط أساسا بسوء الادارة والتسيير، وغياب سياسة ناجعة لتدبير الموارد البشرية في ظل انعدام إطار مرجعي للمناصب والكفاءات، وتفاقم الخصاص في الأطر (17 ألف طبيب، و25 ألف ممرض). ينضاف إلى هذا عدم الاهتمام بذوي الأمراض المزمنة؛ حيث إن 74.5 في مائة منهم لم يستفيدوا من الخدمات الصحية، و34.3 في المائة من الأطفال لم يتم تطعيمهم، و26 في المائة من النساء لم يستفدن من برامج تتبع الحمل أيام أزمة كورونا.

وسبق أن حذرت الجمعية من عواقب تباين التوزيع الجغرافي، إن على صعيد البنيات الصحية العمومية، أو على مستوى الانتشار البشري للكوادر الصحية، التي تتمركز في المدن الكبرى، مما يجعل المغرب مقسما إلى نافع وغير نافع حتى في الميدان الصحي. كما أكدت على وجوب إيلاء الدولة المغربية الأهمية القصوى في سياساتها وميزانياتها للصحة العمومية، من خلال إعطاء الأولية لها كمرفق عمومي حيوي، ولفئة العاملين في المجال الصحي والاستشفائي حماية وتوفيرا وتكوينا، وللتجهيزات الطبية والمستشفيات العمومية، وبناء منظومة صحية تعتمد على القطاع العام كركيزة لتوفير الصحة للجميع.

وفي هذا الصدد طالبت الجمعية بالرفع من ميزانية وزارة الصحة إلى %12 عوض 6,2%، لتكون في مستوى التحديات المطروحة على القطاع، واستخلاص الدروس مما كشفته جائحة كورونا، وجعلها فرصة جيدة لمراجعة السياسات الصحية الوقائية في المغرب.

 فيما يتصل بالحقوق الثقافية، فإن الأوضاع الثقافية ازدادت تدهورا، نظرا لغياب مجموعة من الشروط الموضوعية للنهوض بالقطاع، ونظرا لأن الحكومات المتعاقبة لم تعتبر الثقافة ضمن أولوياتها وأولويات السياسات العمومية، إضافة إلى تهميش الثقافة الجادة والاهتمام بمجالات أخرى لا تنتج إلا التفاهة والرداءة.

-     تراجع نسب القراءة:  أكثر من 44 في المائة من الشباب لا يقرؤون حسب تصريح وزير الثقافة في البرلمان؛

-     مجموع المكتبات في المغرب 332 مكتبة:  هذا العدد القليل يؤكد أن المغرب يعيش أزمة قراءة؛

-     التضييق على حرية الإبداع ومصادرة مجموعة من الكتب وسحب بعضها من المعرض الدولي للكتاب (اعتقال الكاتب علي عثمان من أمام المعرض الدولي للكتاب بالرباط فور عرضه لمجموعته القصصية، مصادرة رواية مذكرات مثلية فاطمة الزهراء أمزكار، وكتاب سوسيولوجيا التدين...)؛

-     احتلال المغرب الرتبة 135 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة الذي أصدرته مراسلون بلا حدود عام 2022؛

-     تقلص عدد دور السينما من 141 قاعة سنة 2005 إلى 31 قاعة سنة 2021، نصف جهات المغرب لا تتوفر على قاعة سينمائية، رغم أن بعض المدن تنظم فيها مهرجانات دولية مثل مدينة خريبكة التي ينظم فيها مهرجان السينما الإفريقية...؛

-     رغم تخصيص 24 مليار سنتيم و100 مليون سنتيم من صندوق النهوض بالفضاء السمعي البصري لفائدة المركز السينمائي المغربي، فإن ملفات الدعم لبعض الأفلام تثير الكثير من الجدل حول المعايير المعتمدة، وكذلك الشأن بالنسبة للدعم المسرحي، ومن هنا ضرورة مراجعة قوانين تنظيم الفن السابع وطرق دعم المؤسسات المسرحية؛

-     تعرض المآثر التاريخية التي تصنف ضمن التراث العالمي للإهمال وتغاضي المؤسسات الوصية على حمايتها...

وبالنسبة للحقوق اللغوية، فهي لم تشكل استثناء فيما عرفته باقي الحقوق من انتكاسات وتراجعات. فبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على دسترة ترسيم اللغة الأمازيغية ما زالت الأجرأة الفعلية تراوح مكانها، بل تم التراجع على كل المجهودات التي قام بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتم تجميد أعماله خاصة في مجال التعليم والإعلام.

وتابعت الجمعية بعض الإصدارات والإجراءات القانونية المناقضة للمرجعية الأممية في مجال الحماية والنهوض بالتعدد اللغوي والثقافي، واستهداف وحدة أراضي الجموع، عبر سن قانون17ـ62 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، الذي أعطى الصلاحية لعامل الإقليم أو العمالة في حصر لائحة أعضاء الجماعة، التي لا يمكن الطعن فيها قضائيا إلا بإذن من وزارة الداخلية، وشدد في نفس الوقت العقوبات على كل من عرقل تنفيذ قرارات وزارة الداخلية بصفتها مالكة لجميع القرارات...

وفيما يهم الحق في الحماية الاجتماعية، فقد تابعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان باهتمام شديد التطورات المتسارعة لتنزيل مشروع منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب. وتم القيام بإجراءات متتالية دون إعطاء أية تفاصيل دقيقة حول مكونات هذا المشروع. وهي صفة متصلة بنهج السياسات الاجتماعية بالمغرب خلال العقود الماضية التي تتميز بالطابع التجزيئي والظرفي، بحيث لم تُدرج التدابير المتخذة ضمن استراتيجية متكاملة، سواء فيما يتعلق بتحسين مؤشرات الحماية الاجتماعية أو فيما يخص توسيع الاستفادة من الدعم الاجتماعي، الأمر الذي أورث تراكم الخصاص والهشاشة لدى فئات واسعة من السكان إلى درجة التأثير على السلم الاجتماعي في بعض الفترات.

وللتخفيف من حدة الفجوة الاجتماعية الواضحة والصارخة التي ازدادت اتساعا عقب جائحة كوفيد 19 وبغية مأسسة شبكات الأمان الاجتماعية،  اضطرت الدولة إلى صياغة ما سمي تصورا جديدا للحماية الاجتماعية عبر القانون الإطار رقم 09.21 بهدف تحسين الولوج لخدمات الضمان الاجتماعي، إلى جانب إصلاحات أخرى مرتبطة بتقنين التدخل الاجتماعي عبر تطوير منظومة الاستهداف .

بالرغم من المعطيات والمؤشرات التي قد تبدو جيدة سواء من ناحية اعتماد هذه المنظومة على الصعيد الدولي أو الوطني، خاصة مع إصدار القانون الإطار، تبقى هذه الترسانة القانونية والإجراءات العملية يشوبها القصور وآليات التفعيل الحقيقي حيث لاحظنا أن هناك تضخما وكذلك مركزة للقرار في الوزارات والإدارات المركزية عوض اللاتمركز، حيث لوحظ استفراد الحكومة بكل الإجراءات دون إشراك الفاعلين المجتمعيين.

المحور الثالث:

 وقف التقرير على مدى وفاء المغرب بالتزاماته الدولية في مجال حقوق المرأة، سواء على مستوى ملاءمة القوانين والتشريعات الوطنية معها، أو على مستوى السياسات العمومية، مع رصد واقع حقوق النساء عبر ما تمت متابعته من خروقات ضد النساء.

 ورغم مصادقة المغرب على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، ورفع بعض التحفظات عليها، فهو لا زال لم يصادق على مجموعة من الاتفاقيات، اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة لعام 1957، اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى، وتسجيل عقود الزواج.

 لا زال ملف حقوق النساء من اختصاص المؤسسة الملكية، والاحتكام إلى المرجعية الدينية، والثوابت السياسية والثقافية، مما يشكل عقبة أمام وفاء الدولة بالتزاماتها الدولية، مما سينعكس سلبا على الوضع الحقوقي للمرأة على مستوى التشريعات المحلية:

-     مدونة الأسرة التي تكرس التمييز خصوصا المواد 20ـ 21 ـ 22 تحديد سن الزواج، شروط الزواج ـ تعدد الزوجات ـ اقتسام الممتلكات الوصاية والولاية والطلاق والإرث؛

-     القانون الجنائي الذي يكرس التمييز عبر الفصول: 404 ـ 484 ـ 486 ـ 488 499 ـ 449 ـ 503؛

-     قانون 13 103 الذي اتضح أنه قاصر عن المساهمة الفعلية لحماية النساء من العنف.

كما أشار التقرير في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة لوضعية عاملات الفراولة بإسبانيا، وتعرضهن لاستغلال مركب: ضعف الأجور والتحرش والاغتصاب في أماكن العمل، ووضعية العاملات الزراعيات. كما تم رصد مجموعة من الحالات التي تعرضت للعنف بشتى أنواعه.

بالرغم من تعهد المغرب بتنفيذ توصيات اللجنة الأممية الخاصة بحقوق الطفل، فإن الواقع يبين غياب الإرادة السياسية للدولة في مجال ملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية. ورغم إطلاق الدولة ما يعرف بالأجهزة الترابية المندمجة لحماية الطفولة بشراكة مع التعاون الوطني، فإن هذا البرنامج اقتصر على بعض الأقاليم؛ فيما كانت  المردودية ضعيفة، لأنه ركز على المحيط الحضري للمدن في تغييب تام للأطفال في العالم القروي، ولم يحقق النتائج المرجوة لضعف الميزانيات المخصصة. وسجل التقرير، من بين ما سجله، المؤشرات التالية:

-     حسب تقرير اليونسيف يقدر عدد الأطفال في المغرب ما بين 5 و17 سنة خارج المدرسة ب 53 .1 مليون طفل؛

-     ضعف الخدمات الصحية والاهتمام بالصحة الإنجابية وبصحة الأطفال قبل الولادة وأثناءها وبعدها؛

-         نسبة الأطفال المشغلين حسب المندوبية السامية للتخطيط 2 في المائة، من أصل سبعة ملايين طفل تتروح أعمارهم بين 7 وأقل من 17 سنة. ويقوم 6 أطفال مشتغلين من أصل 10 أي بنسبة 59,4 بأشغال خطيرة؛

-     استمرار تزويج الطفلات 22,30 في المائة من أصل 2300 طفلة شملتهن الدراسة التي أنجزتها النيابة العامة تعرضن لأنواع مختلفة من العنف وأغلب الطفلات اللواتي تم تزويجهن لا يتمتعن بمستوى تعليمي ـ افتقاد مراكز حماية الطفولة للمعايير الدولية كمراكز إيواء الأطفال وعدم توفرها على الشروط الأساسية، يتوفر المغرب على 20 مركز للحماية بطاقة استيعابية تقدر ب 2075 إلا أن هذه المؤسسات لم يتم تطويرها بالشكل الكافي، وهي قليلة جدا؛

-     مؤسسات الرعاية الاجتماعية تعرف عجزا كبيرا في تدبير حاجيات نزلائها من الأطفال، نظرا لضعف التمويل وافتقارها للأطر المؤهلة؛

-     تزايد حالات التشرد والتعرض للاعتداءات الجنسية...

واستحضرت الجمعية في هذا التقرير الواقع المزري للأشخاص ذوي الإعاقة، وانتشار الصور النمطية السلبية وغياب حماية حقوقهم في التشريع والقوانين والسياسات والبرامج والميزانيات العمومية، مما يعرقل وصول هذه الفئة إلى الخدمات الصحية والتعليم والتشغيل والإعلام والاتصال والتمتع بجميع الحقوق. وسجل التقرير أن المغرب لا زال يعاني قصورا قانونيا واضحا في سياساته، من أجل إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم والتكوين، وغياب استراتيجية واضحة للدولة في موضوع تأهيلهم وذلك بتوفير أجهزة المشي والكراسي المتحركة، ومراكز متخصصة بالنسبة للصم والبكم، أما الأشخاص ذوو الإعاقة الذهنية فيعرفون إقصاء كبيرا نظرا للمجهودات الخجولة للدولة من أجل إدماجهم . كما أن واقع تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة ما زال لم يبرح مكانه، رغم تنصيص المشرع المغربي على تخصيص 7 في المائة كنسبة قارة في الوظيفة العمومية ، إلا أنه ربط هذه النسبة بامتلاك بطاقة شخص معاق ولم يربطها بمسألة إدماج هؤلاء الأشخاص في مسألة التنمية، والكل يعرف الصعوبات التي يتعرض لها الأشخاص ذوو الإعاقة للحصول على هذه البطاقة. وخلصت الجمعية إلى عدة عوائق ومشاكل تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة:

- العوائق المرتبطة بالصعوبات المتعلقة بالخدمات الصحية، وقلة الأطر المتخصصة، والحصول على أدوية، وغلاء الأجهزة الطبية وصعوبة الحصول عليها...؛

- العوائق المرتبطة بسوء تعامل مقدمي الخدمات مع أسر الأطفال ذوي الإعاقة، حيث يعامل الأطفال المنحدرون من أسر فقيرة في بعض المراكز معاملة سيئة وحاطة بالكرامة؛

- المشكلات المرتبطة بضعف التمويل الخاص بالخدمات الصحية، إذ كشف تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن كون المراكز العمومية لإعادة التأهيل لم تتطور إلا بشكل طفيف منذ الستينات، وعدم كفاية الموارد المالية والتوازن في التغطية الترابية...

  وفيما يتعلق بوضعية الهجرة واللجوء بالمغرب فإن سنة 2022 كانت سنة مأساوية للغاية، على العديد من المستويات، وصلت إلى حد انتهاك الحق في الحياة للعشرات من المهاجرين/ات وطالبي/ات اللجوء؛ وهي انتهاكات ما كانت لتحدث لو تم احترام حقوقهم/ن، كالحق في التنقل والحماية من شبكات الاتجار بالبشر.

ولعل أبرزها ما عرفته الحدود بين الناظور ومليلية المحتلة يوم الجمعة الأسود 24 يونيو 2022؛ حيث تم مقتل 27 على الأقل من طالبي اللجوء، واعتقال ومحاكمة 87 آخرين بتهم ثقيلة في محاكمة انتفت فيها شروط المحاكمة العادلة، فيما لا زال 76 منهم في عداد المفقودين. وقد تعددت المطالبات بفتح تحقيق دولي في الفاجعة، بالنظر إلى تورط سلطات المغرب وإسبانيا في الأحداث وعدم جديتهما في التعامل معها، من أجل محاسبة المسؤولين الفعليين، وإنصاف الضحايا وضمان عدم تكرار ما جرى، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يشجع بشكل من الأشكال استمرار لعب المغرب لدور الدركي للحد من الهجرة نحو أوروبا، مهما كانت تكلفة ذلك وعلى حساب أرواح الضحايا.

وأسفر تزايد تدفق هجرة الشباب المغاربة نحو أوروبا بحثا عن حياة أفضل، رغم أن طرق الهجرة محفوفة بالمخاطر، خاصة عبر البحر الأبيض المتوسط أو عبر جزر الكناري، إلى العديد من الوفيات. فقد سجلت المنظمة الدولية للهجرة، في تقريرها الذي نشر في وسائل الإعلام في دجنبر 2022، أن المغرب يعد ضمن قائمة أكبر عشرة دول عبر العالم، توفي مواطنوها في طريق الهجرة صوب "الفردوس الأوروبي". فمنذ 2014 توفي 702 مغربيا في طريق الهجرة، ويتعلق الأمر فقط بالأشخاص الذين تم التعرف عليهم، لأن 60% من الموتى عبر العالم لا يتم تحديد هويتهم.

بدورها سجلت المنظمة الإسبانية كامنندو فرونتراس في تقريرها السنوي، وفاة 2390 مهاجرا خلال سنة 2022 في طريق الهجرة نحو إسبانيا. علما أن طريق الهجرة الأكثر فتكا هو الطريق إلى جزر الكناري التي عرفت في نفس السنة وفاة 1784 مهاجرا.

وقد دفع هذا الواقع العديد من الأسر المغربية التي فقدت إحدى بناتها أو أبنائها خلال محاولات الهجرة إلى الانتظام في مجموعات لم تتوقف عن الاحتجاج والمطالبة بالكشف عن مصير أبنائها وبناتها دون أن تجد آذانا صاغية من طرف السلطات المغربية.

من جهة أخرى لم تتوقف الترحيلات القسرية للمهاجرين من منطقة الناظور والشمال، وتشتيتهم في مناطق بعيدة عنها داخل المغرب أو جنوبه، أو نحو الحدود المغربية-الجزائرية. وسجلت الجمعية سوء معاملة المهاجرين وسلب ممتلكاتهم (هواتف – أموال) خلال هذه الترحيلات كما اكدت الشهادات ذلك.

أما على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين وطالبي اللجوء؛ فرغم اعتماد المغرب استراتيجية وطنية خاصة بالهجرة واللجوء منذ 2014 بهدف ضمان اندماج أفضل للمهاجرين واللاجئين وتيسير ولوجهم للخدمات العمومية على قدم المساواة بالمواطنين المغاربة، فإنه بعد قرابة عشر سنوات، لازالت هذه الاستراتيجية تتسم بالبطء والمحدودية وضعف الفعالية والجدية في تفعليها عمليا. ويبدو أنها موجودة على الخصوص، منذ اعتمادها، لتترافع بها الدولة المغربية في المحافل الدولية دون أن تفعلها بالقدر الكافي، حتى يتمكن المهاجرون وطالبو اللجوء من التمتع بالحقوق التي أقرتها هذه الاستراتيجية الطموحة.

فالواقع الذي يعيشه المهاجرون وطالبو اللجوء، بمختلف مناطق المغرب، يفند ذلك؛ ولعل أسطع مثال على هذا وضعية المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء وطالبي اللجوء المحتمين بالمحطة الطرقية أولاد زيان بالدار البيضاء، الذين يحتمون في خيام بلاستيكية لاستحالة حصولهم على سكن لائق، وكثيرا ما يصاب بعضهم بأمراض مختلفة، لتواجدهم في مكان يفتقر للمرافق الصحية، ولاضطرارهم لقضاء حاجاتهم الطبيعية في ظروف غير طبيعية، ولمنعهم من الاستحمام بالحمامات العمومية بسبب التمييز على أساس بشرتهم.

ولابد من الإشارة كذلك إلى الهجرة المنتقاة التي أصبحت تستهدف الأطر المغربية، خاصة الأطر الطبية والمهندسون/ات وغيرهم، والتي تستنزف ليس فقط الميزانيات الضخمة التي تصرف على تكوينهم ولكن كذلك الحق في التنمية الذي يعتمد كثيرا على مثل هاته الكفاءات؛ في الوقت الذي يستمر فيه حرمان المغاربة من حقهم في التنقل إلى فضاء "شينغن"، بسبب ارتفاع نسبة الرفض لطلبات التأشيرة.

أما بالنسبة للمهاجرين/ات المغاربة والمغربيات بالخارج فقد افرزت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بأوروبا خلال سنة 2022، تنامي الحركات العنصرية وصعود اليمين المتطرف في الانتخابات، الشيء الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا لمكتسباتهم/ن، ويزيد من تنامي الكراهية والتمييز اتجاههم/ن، أمام ضعف مؤسسات الدولة المغربية في الخارج، وقصورها عن أداء مهمتها في حمايتهم/ن، وعند إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية المتعلقة بهم/ن، وعلى رأسها ممارسة حقوقهم الانتخابية، مع العلم أن التحويلات المالية للمغاربة المقيمين بالخارج تقدر بملايين الدولارات سنويا ولم تتوقف هذه التحويلات، حتى خلال ذروة الوباء العالمي كوفيد -19 وتجاوزت 100 مليار درهم نهاية سنة 2022، وتعتبر هذه التحويلات المالية ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني وفي إعالة عشرات الآلاف من الأسر المغربية.

وختاما، سجل التقرير فيما يخص الحق في البيئية السليمة والتنمية المستدامة أن البيئة في المغرب تخضع لإكراهات قوية، ناتجة عن النمو السكاني في مواجهة البنية التحتية الأساسية غير الملائمة، والعجز السكني، وصعوبات الحد من الأمية والفقر، والاستغلال المفرط لموارد المياه على وجه الخصوص للأنشطة الفلاحية، والتلوث بجميع أشكاله، بما في ذلك استخدام الأسمدة في الزراعة وانبعاث ملوثات الغلاف الجوي والكوارث والأزمات الطبيعية كالجفاف وحرائق الغابات. ويمثل الافتقار إلى البنية التحتية للصرف الصحي السائل والصلب أيضا مصدرا مهما للضغط الذي يساهم في تدهور البيئة المعيشية ونوعية المياه والتربة. أما بالنسبة للساحل، فبالإضافة إلى الأشكال المتعددة للاستخدام والاستغلال التي يتم إتقانها بشكل أو بآخر، فإن هناك العديد من الضغوطات التي تؤثر اليوم على النظم البيئية الساحلية، ضغوطات التمدن، واستهلاك الفضاء، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، وما إلى ذلك، مع خطر المساس بوضعها البيئي الجيد واستدامتها.

كما أشار في الوقت ذاته إلى أنه على الرغم من الكم الهائل من القوانين البيئية، لا تزال البيئات الطبيعية تخضع لضغوطات متعددة تجعلها أقل مقاومة لأي تغير في المستقبل، لا سيما تغير المناخ. كما أن الاستراتيجيات والبرامج والخطط الوطنية التي تعمل لصالح حماية هذه البيئات والحفاظ عليها وتعزيزها عديدة، ولكنها مع ذلك تظل في الأغلبية غير كافية أو غير مفعلة جيدا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بعد عدة سنوات من اعتماد القانون 77-15 الذي يتعلق بمنع استعمال الأكياس البلاستيكية، لا تزال هذه الأكياس موجودة في الأسواق، كما أن مجمل الشركات الكبرى تلف منتجاتها الصناعية في البلاستيك دون حسيب ولا رقيب.

وقد أنتهى التقرير بتقديم مجموعة من التوصيات تمثلت في وجوب احترام وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لعموم المواطنين/ات؛ إعمال شعار عدم الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية والبيئية المرتكبة بشأن الثروات الوطنية؛ رفض تسليع الماء، والتصدي لسياسة الخوصصة  والتدبير المفوض للماء؛ ضرورة مواجهة التحديات المتعلقة بإدارة نقص المياه العذبة؛ اتخاذ كافة الإجراءات لحماية الموارد والثروات الطبيعية والمائية من الاستنزاف والتبذير ومن التلوث؛ مراجعة القوانين الجديدة (17-62، 17-63، 17-64) المتعلقة بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير ممتلكاتها، والتحديد الإداري للأراضي، والأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري؛ بما يحقق التدبير الديمقراطي للأراضي السلالية، والحفاظ عليها كثروة وملك جماعيين، وتمتع ذوي الحقوق منها نساء ورجالا بدون تمييز، وحمايتها من التفويت والتجزيء...

الحضور الكريم؛

لا شك في أن هذا التقرير، بقدر ما يعكس واقعا مقلقا يخيّب آمالنا وتطلعاتنا، بقدر ما يسائل الدولة المغربية حول مدى وعيها بخطورة سياساتها الممعنة في إنكار هذا الواقع والتعمية عليه بخطاباتها الرنانة، فالشعوب لا تقاد بالقمع والمنع، ولا تزدهر بالريع والفساد والسلطوية وإنما بغرس وتنمية الشعور بالكرامة لدى المواطنات والمواطنين، وتجذير قيم الحرية والمساواة والعدالة، وتوطيد أسس الدولة الديمقراطية وسيادة القانون. فمن غير ذلك فلن يعمل الواقع الحالي، في أحسن الأحوال، سوى على إعادة انتاج نفسه إن لم يكن بشكل أكثر درامية ومأساوية.

ومجددا نعيد تجديد الشكر لكل الحاضرين والحاضرات، ونفتح الباب أمام الأسئلة والاستفسارات.

المكتب المركزي:

الرباط، في 03 غشت 2023.


المزيد حول عام عودة