التصريح الصحفي حول مذكرة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخصوص مدونة الأسرة

27/03/2024 16:30

عام

مستجدات الجمعية

التصريح الصحفي حول:

 مذكرة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخصوص مدونة الأسرة.

 

السيدات والسادة ممثلات وممثلو الصحافة الرقمية والورقية، السمعية والبصرية؛

السيدات والسادة ممثلو المنظمات الحاضرة معنا؛

الحضور الكريم.

يسرنا بالغ السرور أن نلتقي بكم وبكن في أكناف هذه الندوة، التي تنظمها الجمعية، كما دأبت على ذلك كلما جد لديها جديد، من أجل اطلاعكم/ن على رؤيتها وتصورها لما ينبغي أن تكون عليه مدونة الأسرة المقبلة، وأن تضع بين أيديكم/ن المذكرة التي أعدتها بهذا الخصوص والتي ضمنتها أهم المبادئ والمعايير التي ينبغي أن تستند إليها، بالإضافة إلى المقتضيات الضرورية والآنية التي لا غنى عنها لتجاوز الأعطاب والاختلالات البنيوية التي اعترت وشابت الصيغة الحالية منها.

وتجدر الإشارة في البداية إلى أن مضامين هذه المذكرة، وما تحتوي عليه من تحليل ومواقف ومطالب، ليست وليدة اليوم ولا نابعة من الاستجابة للاستشارات الظرفية الحالية، بقدر ما هي حصيلة سنوات من النضال الذي خاضته الجمعية والحركة الحقوقية والديمقراطية ببلادنا من أجل النهوض بحقوق النساء وتحقيق المساواة الكاملة بينهن وبين الرجال دون أي تمييز. وقد تمت معالجة أبرز القضايا والانشغالات المحيطة بمدونة الأسرة، معالجة تروم الإحاطة بمختلف الإشكالات التي لازمتها، وذلك بناء على المحاور التالية:

أولا، سياق تغيير مدونة الأسرة:

1. معركة النضال من أجل مدونة ديمقراطية؛

2. أهم التغييرات التي جاءت بها مدونة الأسرة سنة 2004؛

3. مظاهر قصور مدونة الأسرة:

أ. مظاهر التمييز غير المعالجة؛

ب. إشكالات وصعوبات التطبيق.

ثانيا، أي قانون أسري نريد؟

1. المرجعية؛

2. البناء اللغوي والمفاهيمي؛

ثالثا، مطالبنا.

خاتمة.

وفي هذا السياق، تم التذكير بأهم المحطات التي صاحبت إصدار قانون الأحوال الشخصية، قبل الانتقال إلى مدونة الأسرة، وما تخللها من تقاطبات فكرية وصراع سياسي واجتماعي بين السلطة المخزنية والحركة الحقوقية والديمقراطية، غالبا ما كان يجري توظيف الدولة السلطانية فيها لمقاربتها الدينية أما بشكل مباشر أو غير مباشر أو هما معا، لفرملة وكبح أي مسعى أو نزوع نحو الاعتراف التام بحقوق المرأة، والارتقاء بأحوالها لجعلها فاعلا أساسيا في قلب أي تحول صوب مجتمع المواطنة الكاملة والمساواة والديمقراطية.

  وهكذا كان يتم اللجوء إلى ما يسمي بالتحكيم الملكي، الأمر الذي جعل من التشريع في مجال قانون الأسرة تشريعا غير عادي خاضعا لمسطرة استثنائية، يتم التعامل معه بشكل سياسي، وتنفرد به السلطة، رغم ما سمي بالإشراك الشكلي المتبع في العديد من المحطات كما الآن ؛ وهو ما ظلت ترفضه الجمعية وتعتبره منهجية غير ديمقراطية.

ولعل أبرز الدروس المستفادة من التجربة الأخيرة، التي أسفرت سنة 2004 عن إصدار مدونة الأسرة الحالية، أنه لا يمكن اللجوء مرة أخرى إلى ذات المنهجية لأنها لا تسمح بنقاش أوفى، ومساهمة أوسع، وإشراك فعلي وجامع لكل المقاربات والاجتهادات والتجارب المقارنة، في بلورة نص جديد تتساوى فيه النساء مع الرجال في الحقوق والواجبات، وتُحْمى من خلاله المصالح الفضلى للأطفال، ويُؤْخذ فيه بحقائق والزامات العصر وبالموروث المستنير من تراثنا التاريخي الأصيل.

 

أيها السادة والسيدات؛

إن واجب تحري الموضوعية في الحكم على ما جادت به مدونة الأسرة السابقة من تغييرات؛ من حيث بناء الأسرة تحت مسؤولية الزوج والزوجة، ورفع الولاية عن المرأة في الزواج، والتحديد المبدئي لسن الزواج، والتضييق الشكلي على التعدد، وتطليق الزوجة لنفسها، وتمكين الأم الحاضنة المتزوجة من الاحتفاظ بالحق في حضانة أبنائها/تها في حدود معينة، وتوريث ابن البنت المتوفية قبل والدها، والتنصيص على صندوق النفقة...؛ إن هذا جميعه لا ينبغي أن يحجب عنا ما أبانت عنه تلك التغييرات من عجز وقصور في تأمين الحماية القانونية اللازمة ليس للمرأة فقط، بل وللأسرة ككل. وهذا راجع إلى أن العديد من المقتضيات والتعديلات الآنفة الذكر جرى الالتفاف عليها، عبر التوسع في تطبيق الاستثناء والتضييق في الأخذ بالقاعدة؛ كما هو الشأن في تزويج القاصرات؛ التحايل على التعدد؛ ومعضلة الولاية على الأبناء؛ طلاق الشقاق، الذي تحول واقعيا، في العديد من الحالات، إلى طلاق للخلع تضطر معه المرأة إلى التخلي عن حقوقها؛ مشكلة تقاسم الممتلكات المتحصلة أثناء الزواج؛ صعوبة تنفيذ قرار إرجاع الزوجة المطرودة أو ترك بيت الزوجية للأم الحاضنة...

وغير خاف على أحد أن العقبة الكأداء في إخراج مدونة عصرية وديمقراطية للأسرة تتمثل في أن التشريعات المنظمة لها ما فتئت، منذ صدور قانون الأحوال الشخصية سنة 1957، ومرورا بكل التعديلات التي لحقت به عام 1993، تنهل عموم مقتضياتها بصفة مباشرة من أحكام الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، خاصة أحكام الفقه المالكي؛ فيما اعتمدت، بدرجة أقل، على المرجعية الدولية المتجلية في الإعلانات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بصفة عامة وبحقوق المرأة بصفة خاصة. لذا تعتبر قوانين الأسرة مثالا حيا لازدواجية المرجعية، مما يخلق قانونا أسريا غير منسجم وقضاء غير موحد؛ وهو ما يفضي إلى غياب الأمن القضائي المتجلي في صدور أحكام متضاربة، يعتمد البعض منها على المرجعية الدينية والبعض الآخر على المرجعية الكونية.

والحال أن التحدي الحقيقي في مجال المرجعية الإسلامية يفترض إنشاء تصور لحقوق الإنسان جدير بالقبول حتى من منظور غير إسلامي، على اعتبار أن حقوق الإنسان عامة والأسرة خاصة، تفترض وتتطلب صلاحية كونية، وإجماعا كونيا. فعلى سبيل المثال، يدخل تعدد الزوجات، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، في دائرة المباح من حيث المبدأ، بغض النظر عن القيود التي يمكن أن ترد عليه، إلا أنه غير مقبول إذا نظرنا إليه من زاوية القانون الدولي لحقوق المرأة، فهو يشكل تهديدا لحقوق المرأة، ومسا سافرا بمبدأ المساواة وضربا للحق في الكرامة، كما يعتبر تمييزا وتكريسا للهيمنة الذكورية.

إن خطاب الدولة المغربية، في هذا الباب، ما انفك يعيد إنتاج ذات الازدواجية. فعلى الصعيد الوطني الداخلي تعلن الدولة تشبثها اللامشروط بالمرجعية الدينية، وأمام المجتمع الدولي نجدها قد صادقت على الاتفاقيات التسع التي تشكل النواة الصلبة لحقوق الإنسان. وتعكس هذه المصادقة التزامها بما تقتضيه هذه المواثيق من مبادئ وحقوق، يتعين العمل على تعزيزها وحمايتها، والنهوض بها والإسهام في تطويرها، وكل ذلك يستوجب تجانس القوانين الوطنية مع المقتضيات الحقوقية الدولية.

 

الحضور الكريم؛

لقد بات جليا أنه من الخطل بمكان ترجيح مرجعية دينية مذهبية معينة، فيما يتعلق بأحكام الأسرة، تتبنى بشكل قطعي تأويلات خاصة، منغلقة ومغرقة في الجمود والتخلف على حساب قراءات أخرى متنورة لا تضع تعارضا مطلقا غير قابل للتجاوز بين اشراطات التدين والاحترام الواجب لكينونة الإنسان، على اعتبار أن أحكام المعاملات، مرتبطة بتغير الزمان والمكان، والقوانين الخاصة بها شديدة الاتصال بمتطلبات البشر المتغيرة والمتجددة. ففيما تواصل حياة الناس تطورها، يصاب التشريع في المقابل بالجمود والتصلب. وحينما لا تنسجم القوانين مع ما يقتضيه العصر تصاب المنظومة الحياتية كلها بالخلل، فتهدر الحقوق ويعم الظلم وتتوارى العدالة.

وهذا يقودنا إلى القول بأنه لا يمكن لقانون الأسرة الاعتماد على مرجعيتين مختلفتين إلى حد التضارب، ولا يمكن للمرجعية الدينية أن تقوم بديلا للمرجعية الكونية، ما دامت لا تنسجم ووقائع الحياة الخاصة بالعصر، ولا تتلاءم مع ما التزم به المغرب أمام المنتظم الأممي؛ الشيء الذي يفرض عليه تغيير قوانينه، دون مواربة، وجعلها تتماشى مع القانون الدولي لحقوق المرأة. وهو ما يعزز ويؤكد صواب مطلب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والحركة الحقوقية والنسائية المناضلة، المتمثل في ألا سبيل للارتقاء بحقوق النساء والأسرة ككل والنهوض بها من خلال التشريع، إلا بإرساء قانون أسري مدني عصري ديمقراطي ينهل من المواثيق الدولية، ومن التجارب المشرقة في القوانين المقارنة.

ولم يفت المذكرة، من جهة أخرى، أن تتوقف عند البنية اللغوية الفقهية التقليدية المؤطرة للمدونة، التي تعكس دون شك رؤية مجتمعية خاصة لما ينبغي أن تكون عليه طبيعة العلاقة القائمة بين المرأة والرجل، وما يتوجب تكريسه من تمثلات رمزية وصور نمطية لأدوار مختلف مكونات المجتمع. وهذا ما أنتج فائضا من التحيز الذكوري عند استعمال المصطلحات، وأخل بالاحترام الواجب لحفظ كرامة المرأة عن طريق تسليع وتشييء جسدها، وساهم في طمس شخصيتها ووظيفتها بالغة الأهمية داخل الأسرة والمجتمع.

وإجمالا، يصح القول بأن أغلب مصطلحات مدونة الأسرة تعبر عن منظور ذكوري متخلف للمجتمع، ولا تلتزم بأسلوب لغوي قانوني حديث يحترم الحياد اللغوي بين الجنسين. وتبعا لذلك، ترى المذكرة أنه من الضروري إجراء مراجعة لغوية لقانون الأسرة الذي تطالب به الجمعية، واعتماد التعابير والمصطلحات والمفردات التي تراعي النوع الاجتماعي لإبراز المرأة (المؤنث)، عوض المصطلحات التي هي بمثابة أداة لإخفاء وجودها.

السادة والسيدات؛

إن الجمعية تؤمن إيمانا راسخا بأن تحقيق قانون أسرة عادل ومنصف، ينبغي أن ينبني على المرجعية الكونية، بعيدا عن أي توظيف سياسي لخطاب الخصوصية، ما دامت منظومة حقوق الإنسان لا تنفي الخصوصيات الثقافية، وتعمل على حمايتها؛ بدءا بالتأكيد على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحماية الشعوب الأصلية التي لها ثقافاتها الخاصة، وصيانة الحق في التعلم باللغة الأم، وتمكين العديد من الأقليات المسلمة في بلدان غير مسلمة من ممارسة ديانتها بحرية. هذا عدا أن هذه الخصوصية المزعومة والمفترى عليها لم تكن عائقا بالنسبة للقوانين الأخرى. فمدونة التجارة، تقريبا كل المعاملات فيها ربوية علما أن الربا محرم شرعا. ومواد القانون الجنائي، لا تنص على تطبيق الحدود، كما أن المغرب طرف في الاتفاقية الخاصة بالرق منذ سنة 1959، بالرغم من أن امتلاك الرقيق أو تطبيق الحدود كالرجم، أو قطع يد السارق، مباح شرعا.

ومن هنا جاءت مطالب الجمعية في المذكرة تدعو إلى رفع كل مظاهر التمييز المتضمنة في مدونة الأسرة السارية المفعول، وذلك عبر التنصيص الصريح، بدون أي لبس أو تلبيس، على ما يلي:

–   الحق في إبرام عقد الزواج اختياريا لغير المتزوج/ة في أي وقت سواء بوجود حمل أو أبناء أو بغيره؛

–   الحق بحمل الابن/ت اسم الأب حتى في حالة عدم وجود عقد زواج، أو رفض الأب الإقرار بالبنوة إذا ثبت نسبه/ا إليه؛

–   التنصيص صراحة على حق الطفل/ة المولود/ة خارج إطار مؤسسة الزواج في الهوية والنسب لوالده البيولوجي. وتمكين والدته/ا أو كل مكلف برعايته/ا بمباشرة المساطر القضائية والإجراءات اللازمة مجانا، لإثبات نسبه/ا لوالده/ا، مع اعتبار الخبرة الجينية دليلا حاسما لتأكيد علاقة الأبوة؛

–   اعتبار الأحكام الصادرة لفائدة الأطفال/ات بثبوت نسبهم/ن لآبائهم/ن مرتبة لجميع آثارها اتجاه آبائهم/ن البيولوجيين، تماما كالأطفال/ت المزدادين/ت في إطار مؤسسة الزواج، من إرث، ورعاية اجتماعية، ونفقة وواجبات الحضانة، والسكن، والأعياد، وواجبات التمدرس والتطبيب...؛

–   الحق في أن تتساوى حقوق الأبناء والبنات، سواء بوجود عقد أو بغيابه؛

–   الحق في تنزيل الابن/ت بالتبني أو المكفول/ة منزلة الابن/ت، ونسبته/ا لوالديه/ا بالتبني، والاستفادة من كافة الحقوق والواجبات للأبناء/ت بالولادة؛

–   حق الزوجة المغربية في منح جنسيتها لزوجها غير المغربي؛

–   حق المغربية المسلمة في الزواج بغير المسلم وبالتوارث بينهما؛

–   حق الرجل المغربي من الزواج بغير المسلمة وغير الكتابية؛

–   حق الزوجة غير المسلمة في الإرث من زوجها المسلم؛

–   حق المرأة في التطليق والطلاق دونما حرمان من حقوقها المادية؛

–   الحق في الاحتفاظ بالحضانة حتى بعد زواج المطلقة مهما كان سن الأبناء/ت؛

–   الحق في الولاية المشتركة للآباء والأمهات على الأبناء/ات، يتحمل مسؤوليتها أي واحد منهما في غياب الآخر، سواء خلال الزواج أو بعد الطلاق، أو بموت أحدهما؛

–   تفعيل المسطرة الاستعجالية للحكم بالنفقة وحلول الدولة محل الزوج في الأداء في حالة عسر الزوج أو غيابه لحين يسره أو العثور عليه؛

–   تفعيل منع تزويج الطفلات نصا وقضاء، تحت أي ذريعة كانت؛

–   منع تعدد الزوجات نهائيا نصا وقضاء لأي سبب كان؛

–   اعتبار الأموال والممتلكات المتحصل عليها خلال الزواج مشتركة واقتسامها وجوبا وآليا بمجرد الطلاق وفي حالة وفاة أحد الزوجين، على أن تطبق قوانين الإرث على النصف المتبقي؛

–   المساواة في الإرث بين الجنسين، كلما كانا في نفس مستوى القرابة مع المتوفى، في كافة الحالات والأحوال والحق فيه دونما تعصيب؛

–   الحكم بالطلاق الاتفاقي بمجرد الإشهاد عليه، وتوثيقه واعتباره نافذا دونما حاجة الاطلاع عليه لدى العدول؛

–   إعادة النظر في مسطرة الصلح ووضعها بيد مختصين من غير القضاء، وتحديد أجل واضح لإتمامها، وإجراء محاولات الصلح خارج المحكمة وإتاحة الموارد المالية والبشرية واللوجستيكية الكافية لذلك؛

–   حل معضلة مشاكل التطبيق التي رافقت تفعيل مدونة الأسرة على علاتها، بتكوين أطر من القضاة/ات والمحامين/ات وكتاب/ات الضبط والإداريين/ات، متشبعين/ات بالقيم الحقوقية، التي التزمت الدولة بنشرها وإشاعتها من خلال مختلف الخطط والتقارير المقدمة للمنتظم الدولي.

 
هذه باقتضاب أبرز ما تحمله مذكرتنا من مطالب واقتراحات تهدف في المقام الأول إلى ضمان حقوق المرأة غير القابلة للتصرف، بوصفها عماد الأسرة إلى جانب الرجل والأبناء/ات، وتتوخى أيضا، بدرجة لا تقبل التأجيل، ضمان الحقوق المتساوية لكل مكونات الأسرة؛ وهو ما سيساهم لا محالة في حماية الجميع من التمييز وكل ضروب الحرمان والظلم، ويجعل من الأسرة لبنة أساسية لا غنى عنها في بناء مجتمع منفتح على المستقبل وتسود فيه كافة الحقوق والحريات.
 
المكتب المركزي
الرباط، 26 مارس 2024

المزيد حول عام عودة