تقديم عام
حقوق الإنسان بالمغرب خلال 2016: انتكاسات متتالية
درجت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، منذ ما يزيد على عشرين سنة، على إصدار تقرير سنوي ترصد من خلاله أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، وذلك تماشيا مع رسالتها المتمثلة في نشر وحماية حقوق الإنسان، وانسجاما مع أهدافها الرامية إلى تشجيع كل مبادرة إيجابية تخدم قضية حقوق الإنسان، والتنبيه إلى أوجه الخلل والقصور قصد معالجتها وإيجاد الحلول المناسبة لها.
غير أنه، وبعد كل المكتسبات التي راكمها المغرب في مجال حقوق الإنسان، من التعبير على التشبث بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، واحتفاء دستور 2011 بمجموعة كبيرة من الحقوق،عبر دسترتها، وقطع أشواط كبيرة في مجال طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وإعادة هيكلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، تحت مسمى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتوسيع مجال اختصاصاته، وانتشاره عبر التراب الوطني؛ فإن خلاصة هذا التقرير، الذي يشمل سنة 2016، ويأتي بعد مرور عقد من الزمن على إصدار التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، تضعنا أمام حقيقة واضحة، وهي الخط المتعرج والسير المترنح والانتكاسات المتتالية التي تعيشها حقوق الإنسان بالمغرب؛ وذلك من خلال تواتر ادعاءات التعذيب، والمنع المطرد للحق في التظاهر السلمي، واستخدام العنف المبالغ فيه والمتكرر ضد المواطنين في الشارع العام، المقترن بالخرق السافر لقوانين تفريق التجمعات، مع محاصرة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان وإعاقة عملها، عبر منعها من ممارسة أنشطتها داخل الفضاءات العمومية، ورفض منحها وصولات الإيداع القانونية، وعدم الامتثال للأحكام الصادرة من طرف المحاكم المغربية بهذا الخصوص، وازدراء سيادة القانون.
وعلاقة بموضوع حراك الريف، الذي يجسد الانتكاسات الحقوقية التي يشهدها المغرب، يمكن الحديث، وبدون أي تحفظ، أن نهاية سنة 2016 أعلنت عن بداية نشوء بوادر وضع مشحون بكل دواعي الاحتقان في المنطقة، بفعل التدبير السيء لهذا الملف. فمنذ طحن محسن فكري المنحدر من مدينة إمزورن، بواسطة آلة التدوير لشاحنة نقل النفايات التابعة لشركة "بيزورنو"، أثناء محاولته الحيلولة دون التخلص من أسماكه المحجوزة من طرف أمن الحسيمة ومندوبية الصيد، ليلة الجمعة 28 أكتوبر 2016، ومنطقة الريف، تقدم الدليل على إمعان الدولة في الخرق الممنهج لحقوق الإنسان، ويمكن لمن أراد التحقق من هذا الأمر، أن يرجع إلى الشهادات التي استقتها لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان حول الأوضاع بإقليم الحسيمة أيام 6-7-8 يونيو2017.
وعموما لم تكن الانتهاكات المرتبطة بأحداث الريف، سوى العنوان الأبرز للتراجعات التي شهدها المغرب خلال سنة 2016. ففي مجال الحقوق المدنية والسياسية، يسجل التقرير، خلال هذه السنة، استمرار المحاكمات السياسية المتعلقة بالحق في حرية التعبير والحق في التظاهر السلمي، وما يسمى المس بالمقدسات، والتجمهر المسلح وغير المسلح، عبر خلق سيناريوهات من قبيل المس بسلامة وأمن القوات العمومية، أو تعييب منشآت عمومية وخاصة، العصيان وعرقلة حركة الجولان في الشارع العام، والتظاهر غير المرخص له؛ وغيرها من التهم الجاهزة، لتجريد العديد من النشطاء السياسيين والنقابيين والحقوقيين، ومعتقلي الحركات الاجتماعية من صفة المعتقل السياسي.
أما ملف التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، فلا يزال مفتوحا؛ ونظرا لحساسيته المفرطة تبذل الجمعية وفروعها المحلية والجهوية، مجهودا كبيرا لمتابعة الملفات المرتبطة به، وتقوم بإجراءات التحري والبحث ومراسلة الجهات المعنية، قبل الفضح والتنديد، وتضمين الحالات المعروضة عليها في تقاريرها الدورية والسنوية، أو تقاريرها الموازية، التي تعرضها أمام لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة. وقد رصد هذا التقرير ما يزيد عن خمسين حالة ادعى أصحابها أنهم كانوا ضحايا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، منها على سبيل المثال:
- التعرض للتعذيب الجسدي؛
- التعرض للاستفزاز والاعتداء الجسدي واللفظي؛
- التدخل العنيف للقوات العمومية واللجوء للتعنيف اللفظي والجسدي والعديد من الممارسات المهينة والحاطة من الكرامة الإنسانية؛
- التعنيف والسحل بالشارع العام؛
- سوء المعاملة المتمثلة في التعرض للاختطاف والسب والشتم، والضرب والرمي خارج المجال الحضري؛
- سوء المعاملة المتجلية في التجويع والإهانة والتعرية والضرب على يد رئيس المعقل؛
- سوء المعاملة المتجسدة في الضرب والشتم والزج في زنازين العقاب الانفرادية "الكاشو"؛
- سوء المعاملة المتمثلة في الاعتداء بالضرب المؤدي إلى الوفاة.
وهو ما يجعل الجمعية تطالب مجددا، بوضع حد نهائي لممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والعمل على الاشتغال بالآليات القانونية والتكنولوجية لمراقبة مراكز الاعتقال النظامية، ووضع حد نهائي للإفلات من العقاب ماضيا وحاضرا، واحترام السلطات للقانون المتعلق بتجريم التعذيب، وسن إجراءات فعلية وعملية لمناهضته، مثل التحقيق القضائي الفوري، والتحقيق الإداري الموازي، والتكوين المستمر للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، والتعاون الدائم مع المنظمات غير الحكومية التي تشتغل في هذا المجال. هذا، بالإضافة إلى إلغاء عقوبة الإعدام، باعتبارها أقصى أشكال التعذيب اللاإنسانية، وإخراج الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب إلى حيز الوجود، كآلية فعالة ومستقلة وواضحة الصلاحيات.
وفي مجال الحريات العامة، شهدت هذه السنة، استمرار السلطات المغربية في رفض تسلم ملفات تأسيس بعض الجمعيات (الحرية الآن وجمعية الحقوق الرقمية كمثال)، ومنع العديد من فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، من عقد جموعاتها العامة في القاعات العمومية لتجديد مكاتبها، ورفض تسلم الملفات القانونية و/ أو تسليم وصولات إيداع الملفات القانونية لمكاتب 31 فرعا خلال سنة 2016 (3 فروع جهوية و28 فرعا محليا)، ليصل العدد الإجمالي للفروع المحرومة من الوصل، حتى الآن 69 فرعا، من أصل مائة جددت هياكلها منذ أبريل 2015. كما تمادت، هذه السلطات كذلك، في التضييق على بعض مكونات الحركة الحقوقية الجادة، ومنع أنشطتها، وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي فاقت أنشطتها الممنوعة خلال سنة 2016 ثمانا وعشرين (28) نشاطا؛ في حين تتجاوز الأنشطة، التي تم منعها، منذ يوليوز 2014، 135 نشاطا.
ومن جهتها واظبت الأجهزة الأمنية على استعمال القوة المفرطة والعنف في حق المتظاهرات والمتظاهرين السلميين، وعلى منع العديد من الأشكال الاحتجاجية السلمية بطرق غير قانونية.
أما وضعية المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، فلم تكن بأحسن حال، إذ احتلت صدارة الانتهاكات والتراجعات. فالدولة وأجهزتها تعمد إلى التضييق على المدافعات والمدافعين بأساليب متعددة وملتوية، منها المباشر وغير المباشر، كالتهديد، والتخويف، والتشهير بحياتهم الخاصة، والتعذيب والاعتقال والسجن... وقد عملت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على رصد حالات كثيرة ومتنوعة لهذه المضايقات والانتهاكات، التي طالت مدافعين عن حقوق الإنسان.
ويرصد التقرير 57 حالة من الاعتداءات والاعتقالات والمحاكمات ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، بينهم إعلاميون، وحقوقيون، وطلبة ونقابيون.
ولا تزال وضعية الإعلام والصحافة بالمغرب تعيش أوضاعا صعبة، وتعرف تراجعا كبيرا؛ حيث واصلت الدولة التضييق على الصحفيين ومتابعتهم قضائيا، مما حدا بمجموعة منهم لمغادرة المغرب خوفا من المتابعات والسجن؛ هذا فيما شمل التضييق الصحافة الوطنية والدولية، إذ عرفت سنة 2016 طرد مجموعة من الصحفيين، ومنعهم من أداء واجبهم، ومصادرة أجهزتهم وترحيلهم، الشيء الذي تؤكده تقارير مجموعة من المنظمات الدولية المختصة في مجال الصحافة والإعلام.
وعرفت سنة 2016 مصادقة مجلس النواب على القانون التنظيمي الخاص بالحق في الولوج إلى المعلومة، لكن نص القانون جاء مخيبا للآمال، باعتبار تجاهله لكل المذكرات المطلبية، التي تقدمت بها جمعيات المجتمع المدني؛ بالإضافة إلى العدد الكبير من الاستثناءات التي تضمنها هذا القانون التي أفرغته من محتواه، والتي من بينها السلامة الداخلية والخارجية للدولة، الدفاع الوطني، المعلومات ذات الطابع الشخصي، المعلومات المرتبطة بالسياسة النقدية والاقتصادية والمالية للدولة، نتائج التحقيقات الإدارية، نقاشات مجلس الوزراء ومجلس الحكومة.
وبالموازاة مع هذا أكدت تقارير دولية استمرار أجهزة المخابرات المغربية في اقتناء معدات وبرامج، الهدف منها التجسس على مستخدمي الأنترنيت بالمغرب؛ حيث ورد اسم المديرية العامة للأمن الوطني في لائحة زبناء الشركة النيوزيلاندية "أونداس"، لسنة 2016. وحسب وثيقة مسربة من طرف موقع "انترسيبت"، فإن المديرية قامت بشراء برنامج "ميدوزا"، القادر على التجسس على البريد الإلكتروني للأفراد، بالإضافة إلى اتصالاتهم ومحادثاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرته على رصد كل عمليات تبادل المعلومات، التي تتم على مستوى الأنترنيت بالمغرب.
وإذا كانت المراجع الأممية تؤكد على ضرورة ضمان الحق في إخفاء الهوية على مستوى الشبكة العنكبوتية، وتشفير المعطيات من طرف الحكومات بالنسبة لكافة مستخدمي الشبكة، فإن التشريع المغربي وخاصة القانون 53-05، المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، يحصر حق تشفير المعطيات في الشركات والمهنيين، مقابل ترخيص مسبق صادر عن وزارة الدفاع، وفق المرسوم رقم 2-08-518 لتطبيق المواد 13 و 14و 15 و 21 و 23 من القانون السالف الذكر.
والباعث على القلق أن استعمال التشفير غير المرخص به يعرض صاحبه إلى عقوبات زجرية، كما نصت على ذلك المادة 32 من القانون 53-05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني؛ وهو ما يتنافى مع الدعوات الأممية لجعل حق التشفير متاحا لكافة المستخدمين دون تمييز ودون إذن مسبق، وخاصة بالنسبة للصحفيين/ات الاستقصائيين/ات، والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان، من خلال استعمال برنامج "طور" أو برامج حرة تضمن سرية تبادل المعلومات.
والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، لم تكتف فقط برصد هذه السلبيات، بل قدمت توصيات مستفيضة ضمن هذا التقرير.
وفيما يخص حرية المعتقد، فإن السياسة الدينية للدولة المغربية تهدف إلى تنميط الحياة العقائدية على أساس العقيدة الوحيدة والمذهب الوحيد (الإسلام السني والمذهب المالكي) باعتباره دين الدولة الرسمي، في البرامج والمقررات التعليمية، وعبر وسائل الإعلام، وفي جميع الفضاءات التربوية والتعليمية والثقافية ...؛ مما يجعل المناخ السياسي والاجتماعي والثقافي بالمغرب يتميز عموما برفض ونبذ المختلفين دينيا ومذهبيا. فالدولة المغربية، كما لا تعترف بحق تغيير الديانة، فهي كذلك تعاقب كل من ضبط بتهمة "زعزعة عقيدة مسلم"، طبقا للفصل 220 من القانون الجنائي.
وبخصوص الحقوق والحريات الفردية للمواطنين والمواطنات، فإنها تتعرض لاعتداءات سافرة ومتكررة، تمس في العمق حقوقهم الإنسانية، كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك المواثيق التي صدق عليها المغرب وألزم نفسه بإعمالها، والتي تقر بحق كل شخص في أن تكون له شخصيته وقناعاته ومعتقداته الخاصة به، وتعتبر أن أي تدخل فيها من طرف الآخرين، يشكل خرقا واضحا لحقوقه الشخصية، يمثل في العديد من الحالات عنفا نفسيا بالنسبة للضحايا، كما يمكن أن يترتب عنه انتهاك للحق في السلامة البدنية والأمان الشخصي، بل وقد يهدد الحق في الحياة، خاصة أمام تسامح الدولة إزاء الانتهاكات التي يكون مصدرها أشخاص آخرون.
ولم تشذذ وضعية السجون عن القاعدة، خلال سنة 2016، إذ ظل انتهاك حقوق السجناء والسجينات في كل المجالات سمة قارة وليس حالات معزولة، تعرفها جل المؤسسات السجنية؛ رغم وجود بعض الضمانات القانونية، وتسجيل ايجابية الجهود الرسمية والإجراءات المتخذة، سواء على مستوى البنيات التحتية أو برامج تكوينية.
وبالنسبة لمتابعة الانتخابات التشريعية، ليوم 7 أكتوبر 2016، فيتضمن التقرير تجميعا تركيبيا حول تتبع الجمعية لمجريات الانتخابات التشريعية، ومجمل الملاحظات التي سجلتها بشأنها، من خلال ثلاث مراحل، هي مرحلة ما قبل الحملة الانتخابية، ومرحلة الحملة الانتخابية ومرحلة يوم الاقتراع.
وفيما يتعلق بمحور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سجل الرقم الاستدلالي السنوي للأثمان عند الاستهلاك ارتفاعا قدره 1,6%، بالمقارنة مع سنة 2015. وتعود هذه الزيادة إلى ارتفاع المواد الغذائية ب 2,7%، والمواد غير الغذائية ب 0,7%. وتراوحت نسب التغير للمواد غير الغذائية ما بين انخفاض قدره 0,2% بالنسبة ل "المواصلات"، وارتفاع قدره 2,5% بالنسبة ل "المطاعم والفنادق".
ولا تزال ظاهرة الفوارق الكبيرة أهم ما يمز مستويات المعيشة في المغرب، حيث أن ثلثي الأسر تنفق أقل من معدل الإنفاق الوطني.
أما ظاهرة الهشاشة والفقر، فرغم ضعف مستواها بالوسط الحضري، حيث يبلغ معدلها7,9% ، فإنها تظل ظاهرة قروية بامتياز، حيث وصل معدلها 19,4% في 2014، بعد ما كان في حدود 30% في 2001.
وفيما يتعلق بالحقوق الشغلية، تم تسجيل استمرار واقع البطالة، وهشاشة الشغل وضعف حماية الشغيلة، وهي السمات التي تؤيدها الأرقام الرسمية رغم عدم دقتها؛ حيث بلغت النسبة السنوية للبطالة 9.4% (1.105.000معطل)، وتراوحت بين %8.7 في الفصل الثاني و10% في الفصل الأول من السنة.
واجمالا، تميزت سنة 2016 بإقرار مجموعة من القوانين، تستهدف أساسا التراجع عن طائفة من مكاسب التقاعد، وذلك من خلال:
- رفع الخدمة الدنيا للاستفادة من التقاعد النسبي من 15 إلى 18 سنة للنساء ومن 21 إلى 24 سنة بالنسبة للرجال.
- رفع السن القانوني للإحالة على التقاعد من 60 إلى 63 سنة.
- تخفيض النسبة السنوية المعتمدة لاحتساب المعاش من %2.5 إلى %2 وتخفيضها في حالة التقاعد النسبي من %2 إلى %1.5.
- تخفيض الأجر المرجعي لاحتساب المعاش والذي حدده القانون الجديد في متوسط عناصر الأجرة برسم 96 شهرا الأخيرة بدل أجرة الشهر الأخير من العمل.
- رفع نسبة الاقتطاع الشهرية من 10% إلى 14%من الأجر.
هذا إلى جانب تقليص ميزانية المقاصة من جديد، حيث لم تتجاوز 15.6 مليار درهم سنة 2016، مقابل 56.6 مليار درهم سنة 2012؛ مما يعني أن الدولة مصرة على تفكيك صندوق المقاصة تنفيذا لإملاءات صندوق النقد الدولي، وهو ما سيعمق فقر الشغيلة، وعجز الأسر المغربية عن تغطية حاجياتها الدنيا والأساسية في مجال التغذية وغيرها.
كما تم خلال سنة 2016، توسيع الهشاشة بالقطاع العمومي، عندما لجأت وزارة التربية الوطنية لأول مرة إلى توظيف 11.000 مدرس، بعقود محدودة المدة، في الوقت الذي ترفض فيه نفس الوزارة، توظيف 10.000 إطار تربوي، ظلوا يخوضون نضالات متواصلة من أجل حقهم في التوظيف، سبق أن أشرفت على تكوينهم من المال العمومي.
وبخصوص الحق في الصحة، فقد عرفت الوضعية الصحية بالمغرب خلال سنة 2016، على غرار السنوات السابقة، تعثرات مختلفة، ظهرت آثارها في الكثير من التقارير الدولية، حيث نجد ترتيب المغرب جد متأخر سواء على مستوى تقديم الخدمات أو على مستوى تقبل المواطنين لهاته الخدمات. وهذا ما تجلى في الاحتجاجات التي قام بها المواطنون في مختلف المدن والقرى بالمغرب. فلم يخل أي أسبوع من حدوث وقفات أو احتجاجات داخل المستشفيات العمومية.
وتجدر الإشارة إلى أن تقرير المفوضية السامية للتخطيط تحدث على أن % 89 من المواطنين غير راضين على الخدمات المقدمة داخل المستشفيات. فالدولة لم تجد الآليات الكفيلة للوصول إلى نسبة 9% من التمويل العمومي في الصحة، التي تقررها منظمة الصحة العالمية، لأن المجهودات التي تقوم بها في هذا القطاع ما زالت ضعيفة ولا ترقى إلى تلبية احتياجات المواطنين، نتيجة الاختيارات السياسية للحكومة التي تتميز بإعطاء الأولوية للقطاعات الأمنية على حساب القطاعات الاجتماعية، خاصة قطاع الصحة، حيث أن هذه الميزانية تبقى دائما دون انتظارات المواطنين بنسبة تتراوح بين 5,8%و 5,9%.
وفيما يتعلق بالتعليم، فقد عملت الدولة على ضرب مقومات الحق في التعليم، عبر التمادي في سن القوانين وتطبيق الاجراءات والتدابير الهادفة لخصخصته، متغاضية عن كونه قطاعا حيويا لا يمكن تسليعه وإخضاعه لمنطق السوق، وغير آخذة بعين الاعتبار انعكاسات هذا التفكيك على مآل حقوق الإنسان الأخرى كالصحة، ومستوى العيش والانتصار لقيم التسامح والتضامن، واكتساب المناعة الفكرية ضد التطرف والإرهاب.
وفي هذا السياق، رسمت تقارير دولية أخرى صورة سوداوية ومخجلة عن الوضع التعليمي. فحسب مؤشر جودة التعليم العالمي لسنة 2017 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، احتل المغرب، عربيا، المركز التاسع على المستوى الجامعي والمركز العاشر على المستوى الابتدائي (مع العلم أنه تم استثناء مجموعة من الدول العربية من التصنيف)، واحتل دوليا الرتبة 101(ضمن 140 دولة) في مؤشر جودة التعليم الجامعي، والمرتبة 110 في جودة التعليم الابتدائي.
كما أقر المجلس الأعلى للتربية والتكوين بأن "نظام التعليم ببلادنا وصل إلى الهاوية"؛ فيما كشف المجلس الأعلى للحسابات عن تلاعبات خطيرة في المال العام سواء المرتبط منه بالمخطط الاستعجالي أو غيره.
وفيما يهم الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، وبعد استعراض التقرير لطبيعة تعاطي الدولة المغربية مع هذا النوع من الحقوق الذي لا يتجزأ عن باقي كل الحقوق، فقد خلص، ليس فقط إلى انعدام سياسة عمومية ذات معالم واضحة الأفق، ولكن إلى تسجيل، وإقرار، بوجود سياسة متبعة في هذا المجال تنحو منحى طمس الهوية الأمازيغية للمغرب بطرق ممنهجة تستمد جذورها من أحداث ووقائع التاريخ الحقيقي الذي طبع الصراع الدائم والطويل بين القبائل الأمازيغية والدولة العتيقة.
ونسجا على نفس المنوال توقف التقرير، بإسهاب، عند رصد واقع حقوق المرأة، حيث سجل إصرار الدولة المغربية على التعامل مع ملف حقوق المرأة عموما بمقاربة محكومة بازدواجية المرجعية، تشكل عقبة أمام إقرار المساواة بين الجنسين وتحول دون الوفاء بالتزاماتها الدولية، خاصة في مجال الحقوق المدنية للمرأة. مما يقتضي رفع كل التحفظات عن اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وملاءمة التشريعات الوطنية معها. كما شدد التقرير على ضعف الإرادة السياسية للدولة في إقرار المناصفة، كلما توفرت الشروط لذلك، وألح على عدم انسجام وفعالية الاستراتيجيات وخطط العمل التي أعلنت عنها الحكومة واللجان التي شكلتها لمناهضة العنف ضد النساء. هذا إلى جانب انعدام ضمانات احترام الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية للنساء على قدم المساواة مع الرجل، والحق في المشاركة في التنمية والاستفادة منها.
وبعد تشخيصه لواقع حقوق الطفل، في مختلف الجوانب، خلص التقرير إلى أنه لا تبدو أن هناك إرادة قوية من طرف الدولة لتعزيز جهودها في مجال مطابقة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتنفيذ ما التزمت به من توصيات أمام المنتظم الدولي، وخاصة أمام لجنة حقوق الطفل الأممية في جلستها التي عقدت في 19 شتنبر 2014، وهو ما يفرض:
- ضرورة التزام الدولة المغربية بتنفيذ التوصيات المتعلقة بافتحاص تقريرها الجامع حول اتفاقية حقوق الطفل لسنة 2014.
- وضع مدونة خاصة بحقوق الطفل ضمن استراتيجية واضحة قائمة على سياسات تروم إدماج قضايا حقوق الطفل بشكل عرضاني ضمن اختصاصات جميع المصالح الوزارية ومؤسسات الدولة.
- تقوية دور المجتمع المدني وإشراكه في كافة السياسات العمومية المتعلقة بإعمال حقوق الطفل.
- حذف جميع الأحكام القانونية التي تنطوي على التمييز.
- وضع استراتيجية تنموية تستهدف المصلحة الفضلى للطفل، وتمكينه من حقوقه الأساسية في التعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية.
- التصدي بحزم لكافة أشكال العنف والاستغلال الجنسي والاقتصادي الذي يطال الأطفال، من خلال حظر تشغيل القاصرين، والارتقاء بانتهاكات الاغتصاب إلى "جريمة البيدوفيليا".
- تشديد العقوبات القضائية في حق مغتصبي الأطفال والطفلات، ووضع حد لمعضلات الإفلات من العقاب في هذه الانتهاكات، ومحاربة السياحة الجنسية.
- إعادة النظر في قانون خادمات البيوت بما يتلاءم واتفاقيات منظمة العمل الدولية واتفاقية حقوق الطفل.
- العمل على تغيير العقليات والتثقيف في مجال حقوق الإنسان، لنزع الترسبات والعادات الاجتماعية الداعمة لتزويج القاصرات والاتجار بهن.
- إلغاء تزويج القاصرات، دون 16 سنة وزجره، وإلغاء البنود القانونية في المدونة التي تبيح ذلك، ووقف ما يسمى ثبوت الزوجية في حالة ما إذا كانت المتزوجة قاصرا عند حدوث انتهاك الزواج العرفي.
- اجتثاث جذور العنف وإساءة المعاملة للأطفال، واتخاذ تدابير عملية وتحسيسية للحد من حالات جنح الأحداث، أو الأطفال في نزاع مع القانون.
- توفير المخصصات المالية والموارد الضرورية للنهوض بحقوق الطفل، مع ضمان حقهم في الرعاية الاجتماعية وحمايتهم من الفقر والهشاشة والتشرد. وتمتيع العائلات بمستوى معيشي لائق.
وخلص التقرير، عند تطرقه لمحور الإعاقة، إلى عدم تمتع الأشخاص فى وضعية إعاقة بالمغرب بحقوقهم، كما تنص عليها الاتفاقية الدولية. ففى غياب الملاءمة والتفعيل تبقى المصادقة عليها شكلية وعديمة الأثر ولا تصلح إلا للاستهلاك الإعلامي. لذلك تبقى الإرادة السياسية الحقيقية وحدها، كفيلة بضمان مجموعة من الحقوق المدنية والسياسية وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة. ولن تزيد سياسات الخوصصة، التي تعمل على تفتيت القطاعات الأساسية كالتعليم والصحة والسكن، دون ضمان أية حماية اجتماعية، أو تخصيص مورد مالي يضمن العيش الكريم، إلا من حدة هذه الانتهاكات.
وتوقف التقرير عند محور حقوق المهاجرين، وما طالهم من انتهاكات، مطالبا بوضع حد لها عبر دعوة الدولة المغربية إلى التجاوب مع التوصيات الصادرة عن الأمم المتحدة المتعلقة بالهجرة في سنة 2013، حول ضرورة ملاءمة القانون 03-02 مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وإقرار قانون حول اللجوء والاحترام الفعلي لحقوق المهاجرين/ات واللاجئين/ات، مع بلورة وتنفيذ سياسة عمومية في مجال الهجرة تتضمن حماية حقوق المهاجرين/ات واللاجئين/ات. هذا بالإضافة إلى حث الاتحاد الأوروبي على فتح الحدود في وجه اللاجئين الذين يرغبون في العيش في بلدان الاتحاد، وإلغاء كل القوانين التي تنتقص من كرامتهم ومن حريتهم في التنقل وفي اختيار أماكن إقامتهم، ودعوة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى القيام بدورها في حماية حقوق اللاجئين وتسريع معالجة طلبات اللجوء.
كما حث التقرير الدولة على التصديق على الاتفاقية رقم 97 و 143 الصادرة عن منظمة العمل الدولية حول العمال المهاجرين، والتحقيق في الانتهاكات التي مست حقوق المهاجرين/ات ومحاسبة المسؤولين عنها، وإدراج موضوع الهجرة في المناهج الدراسية، والعمل على تحسيس الإعلام ليلعب دوره في نشر ثقافة حقوق الإنسان وقيم التسامح والتعايش والتضامن مع المهاجرين/ات، ونبذ الكراهية والأفعال العنصرية، مع العمل على حمل الدول الأوروبية على المصادقة على اتفاقية 1990 المتعلقة بحماية حقوق العمال المهاجرين، وتمكين المهاجرين المغاربة بالخارج من الحق في المشاركة السياسية الديمقراطية في بلدهم المغرب، وإعادة النظر في قانون مكافحة الاتجار بالبشر، ليتلاءم مع المواثيق الدولية ذات الصلة وليأخذ بعين الاعتبار مقترحات الجمعيات الحقوقية وملاحظات المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وفيما يرتبط بالحقل البيئي بالمغرب، فقد اتضح أن بعض الأسباب الرئيسية للأزمة البيئية بالمغرب، لها طابع مؤسساتي يرتبط مباشرة بضعف تفعيل السياسات العمومية والبرامج على المستوين الوطني والجهوي. وهناك عوامل أخرى ساهمت في التدهور البيئي وبالخصوص الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية (ماء، تربة، تنوع بيولوجي، غابات (، والعجز في مجال تهيئة المجال الترابي وغياب البنية التحتية الأساسية. وبالرغم من وجود مجموعة من البرامج والسياسات البيئية، لا زالت تمارس عدة ضغوطات على البيئة، خاصة ضغط الأنشطة الصناعية والصناعة التقليدية، والتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، والتي نتجت عنها مراكز كبرى لتركّز الساكنة والتلوث.
وهكذا، وقف التقرير أيضا على الكلفة المالية الضخمة لتدهور البيئة بالمغرب على الاقتصاد الوطني، والتي تبلغ 33 مليار درهم، أي ما يعادل 3.52 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وهو المبلغ الذي يفرض على كل مواطن مغربي تحمّل ما قدره 960 درهما نتيجة انعكاسات التدهور المناخي والبيئي على الاقتصاد.
ويعد مجال الماء أكثر المجالات تأثرا بتدهور المناخ والبيئة، حيث أن الفرشة المائية لا تتوفر سوى على 700 م3 من الماء لكل ساكن. ومع الاستغلال المفرط للمياه ـ فضلا عن العوامل الطبيعية المتعلقة بآثار التقلبات المائية ـ يتحول إلى خسارة مالية للاقتصاد المغربي تصل إلى 11.7 مليار درهم ما يمثل 1.26 من الناتج الداخلي الخام. كما تخسر خزينة الدولة 9.7 ملايين درهم نتيجة تلوث الهواء الذي يتسبب في الوفيات بأمراض الربو وسرطان الرئة.
أما تأثّر الأراضي الفلاحية فيكلف الاقتصاد الوطني ما يناهز 5 ملايير درهم، والصيد الجائر والمفرط للثروة السمكية خسائر مالية تقدر ب 2.5 مليار درهم. الأمر ذاته يهدد الغابات والتي تشكل 12.7 في المائة من مساحة المغرب، حيث تكلف الخسائر التي تلتهم سنويا 3415 هكتارا من الأراضي ـ فضلا عن الاستغلال المفرط للثروة الغابوية ـ خسائر تصل إلى 40 مليون درهم. ويتسبب سوء تدبير النفايات وخصوصا الخطرة منها ما قدره 3 ملايير درهم.
المزيد حول عام عودة